فهد بن أحمد الصالح
كان الوطن بأكمله سعيداً نهاية الأسبوع الماضي بختام كأس سمو ولي العهد وتشريفه -أعزه الله- هذه التظاهرة الموسمية التي ينتظرها عشاق المستديرة كعشقهم لكل جميل في هذه الحياة، وكان الفريقان في حجم الحدث بالاعتبار لقيمتها الرياضية ولمشوارهما مع البطولات والكؤوس، ولحرصهما على اللعب النظيف الذي يظهر قيمة الرياضة كثقافة تنافس وليست معركة للفوز والخسارة، وإن عُدمت الأخلاق، وكان سموه سعيدا بوجوده بين أبنائه وإخوانه وتظهر سعادته على ملامح وجهه المبتسم والمتفاعل، وعيناه تطوفان بالملعب وبالجماهير وكأنه يريد مصافحة كل مشجع، ثم كانت سعادته بطاقم التحكيم الوطني الذي أدار المباراة، وكأنه يقول مبارياتنا أولى بتحكيم أبنائنا، ولا شك أن من فاز قد استحق الفوز وكسب فوزاً ثانياً بالسلام على سموه الكريم، ومن خسر قد فاز بالوصول إلى المباراة النهائية وكسب السلام على سمو ولي العهد، واستمع منه إلى ما يعوّض خسارته من النصح والتشجيع.
إن ما نحن بصدده وما أشار العنوان له هو اللفتة الإنسانية الكريمة من قبل وزارة الداخلية والرئاسة العامة لرعاية الشباب، بحضور أبناء الشهداء من قطاعات وزارة الداخلية للمباراة النهائية على كأس سمو ولي العهد وزير الداخلية والأب العوض لأبناء الشهداء، ثم تشرفهم بالسلام عليه، وحنوه -رعاه الله- عليهم، وبشاشته في وجوههم، واحتضانه لهم جميعاً، والتواضع الكريم لهم، ولين الجانب معهم، والاستماع لأحاديثهم العفوية، وتمكينه لهم أن يعبروا بطريقهم على حبه وحب القيادة، وهو دون شك حق لهم، وتقديراً من الدولة ومن سموه الكريم لصنيع آبائهم، وكانت ابتسامتهم تسير بنفس السرعة التي تسير بها عبارات المشاهدين ودعواتهم بالرحمة لآبائهم والسداد والتوفيق للقيادة الرشيدة على هذا الموقف الإنساني الرائع، كما أن بياض الزي الذي لبسوه هو تعبير عن صفاء الحب للوطن وصفاء الامتنان للدعوة وصفاء العلاقة مع القيادة وصفاء الولاء ونقاء الانتماء لأرض الآباء والأجداد وعشقهم.
إن هذا الحديث لا يجب أن يمر مرور الكريم لأن المشاهدين له بالملايين من الشباب ومئات الآلاف من الأسر، ولهذا فإن الوزارة والرئاسة نجحتا في غرس الوطنية في النشء بهذا الموقف، ثم إنها أقنعت جميع المواطنين أن الشهيد وأسرته وأبناءه حاضرون في كل مناسبة تستلزم وجودهم، وهذا نجاح دون شك لفريق العمل القائم على أسر الشهداء الذي تُسطر له إنجازات رائعة ومتعددة، بالإضافة إلى تشرف الأبناء بشهادة الآباء، طالما أن هذا سيعلن في كل المحافل ويُدعون ليقال لكل منهم شكراً لتضحية والدك فأنتم العقب الذي نلتمس فيه الخير من بعده لمواصلة جهده وجهاده في حماية الوطن، فالوطن للأجيال وليس للأشخاص، والإيجابية يتوارثها باستمرار الأبناء عن الآباء، ولا ريب أن اللفتة لأبناء الشهداء ستجعلهم يحملون مشعل الوطنية في كل مكان ويقودون الشباب في مثل أعمارهم الى أن تكون الوطنية خلقا وثقافة وأن حب الوطن لن يكون شعاراً فقط بقدر ما سيكون حياة تماثل الروح في القيمة وأكثر.
هذا الموقف الكريم من القيادة والمستحق لأبناء الشهداء سيجعل التعامل مع النتائج وإن كانت قاسية بشكل تحيط به الثقة في كل مكان لأن القيادة سترعى من فقد والده من أجل الوطن ولهذا فإن جميع قطاعاتنا العسكرية أقرت وجود إدارات لرعاية أسر الشهداء، وكان آخرها ما صرح به سمو وزير الحرس الوطني مؤخراً، وننتظر أن يتم التعامل مع هذا الملف، خصوصاً مع الأبناء بكل السبل التي تزيد من حبهم للوطن وحماية مقدساته وأهله وممتلكاته، وسيكون الأبناء بهذه العناية أشد حرصاً وأكثر ولاء من الآباء لأنهم تعاملوا مع الوطنية بجوانب مختلفة عما تعامل به الآباء لاختلاف المعطيات والظروف والأحداث وسيكونون درعا للوطن لا يعرف إلا الاستماتة في حمايته، ولعل فريق العمل في وزارة الداخلية يسرعون بنقل تجربتهم الرائدة مع ملف الشهداء وأسرهم إلى القطاعات الأخرى لأنه تعامل معها منذ وقت مبكر في أحداث الأمن الوطني قبل أن يصبح ملف الشهيد في القطاعات العسكرية الأخرى.