فهد بن أحمد الصالح
أحسن مجلس الشورى عندما طرح في إحدى جلساته في الأسابيع الماضية مبادرة، نحسبها له وللوطن ولمن اقتُرحت من أجلهم، وقبل ذلك لخلق الوفاء الذي تربى عليه أهل هذه البلاد من حكام ومواطنين. والمقترح يقول بضرورة تسمية الشوارع والميادين والمدارس وغيرها بأسماء الفاعلين وأهل البصمة والشهداء وأصحاب المراتب العليا القياديين من المدنيين والعسكريين والتقنيين، حسب نوع العطاء أو ارتفاع المرتبة والرتبة. وهو أمر - في نظري - يجب إقراره عاجلاً، والأخذ به، وتعميمه، مع وضع ضوابط دقيقة له، وتكليف مجالس المناطق والمحافظات (المجلس المحلي) بهذا الوفاء. ففي تلك المجالس تجتمع كل القطاعات في المدن والمحافظات. ولي مع هذا المقترح توأمة روحية؛ لأنه همّ قد حملته منذ سنوات، وحدثت به أكثر من مسؤول، وطرحته في الكثير من المنتديات، واقتنع به العامة وحتى الفاعلون، ولم أجد من يتبناه بالرغم من القناعة به, وسقت هذا الأمل الوطني قبل عامين في مقال لسمو محافظ المجمعة، نُشر على صحيفة المجمعة الإلكترونية بغية تطبيقه في المحافظة، ولرجال المجمعة الذين كان لهم دور مع المؤسس - رحمهم الله جميعاً - وكذلك الفاعلون والمؤثرون من أهلها من وزراء ونواب وزراء وقادة عسكريين ومدنيين ورياضيين ورواد تربية ومربين وشهداء ومتبرعين وأصحاب براءات اختراع، ثم تنقل التجربة من المحافظة بعد تطبيقها بثوب جميل لسمو أمير المنطقة، ثم تعمم على المملكة كبرنامج وفاء وطني. وأخيراً فرحت بأن تبنى الفكرة مجلس الشورى؛ لنصنع القدوة الحسنة في وطن الوفاء.
هذه المبادرة الوفائية الرائعة في المشهد الرياضي لا بد من الأخذ بها؛ لأن هناك رموزاً أثروا في الحركة الرياضية تأثيراً إيجابياً، لا ينبغي أن تندثر سيرتهم، ولا أن تنسى صفاتهم وأسماؤهم، فأين مؤسسو الحركة الرياضية ومَن شيدوا الأندية وأطلقوها من منازلهم؟ وأين أصحاب السمو الأمراء الذين كانوا يرأسون مجالس الأندية في السابق، ويدفعون من مدخراتهم؟ أين خُلدت أسماء الأمراء هذلول بن عبدالعزيز وعبدالرحمن بن سعود وعبدالله بن سعد وطلال بن منصور وخالد بن عبدالله؟ أين عبدالرحمن بن سعيد وغيره من مؤسسي الأندية؟ أين خُلد ذكر اللاعبين الدوليين السابقين الذين تتردد سيرهم حتى وهم في الثراء، وإن كان بعضهم لا يزال حياً يرزق ويعاني الجحود؟ وكيف يقتدي النشء الجديد بالنعيمة وماجد والجابر؟ أين تجد الوفاء للمدربين الوطنيين مثل الزياني والخراشي والجوهر؟ أين الوفاء للمبرزين في الألعاب الأخرى الذين ساهموا في رفع شأن الوطن في زمن هواية، أخذتهم من مستقبلهم، وقدموا الوطن وسمعته على مصالحهم الخاصة؟
أليس في الأندية ملاعب مختلفة ولجميع الألعاب، وبها مدرجات بكل الاتجاهات، ومسابح وصالات وقاعات ومسرح ومداخل وبوابات وحدائق وجلسات ومصليات ومسجد وعيادات طبية وعلاج طبيعي ومضامير لألعاب القوى، ويحيط بها شوارع وميادين ومواقف.. فكم ستخلد هذه التفاصيل من سيرة عطاء واسم كان له في سنوات دور إيجابي، خلد باسمه، وعرف به، وقد يكون قد انتهى بنهايته وموته أو حتى بوداعه لكبره؟ ألا يقام في الأندية دورات مختلفة ومباريات داخلية، وربما دوري لكل لعبة؟ ألا يمكن أن يطلق لها أسماء ليعرف النشء كيف كان عطاء السابقين؟ ألا يمكن أن يطلق أيام للوفاء سنوية لكل لعبة، تسمى في كل عام باسم أحد البارزين؟ ألا يمكن أن تتبنى الأندية مبادرات اجتماعية بأسماء أولئك الرائعين؟ إننا نجزم بأن ثقافة عدم الوفاء أخذتها الأندية من الثقافة العامة في المشهد الرياضي بكامله، ولا يعني أن يكون هناك نادٍ متميز في مسؤوليته الاجتماعية أو وفيّ مع رواده أن البقية كذلك. والواقع يرصد ذلك كله وأكثر بوضوح تام.
ختاماً, لماذا نرى الوفاء منعدماً في بيئتنا الرياضية، وعلى مختلف طبقاتها إلا ما يبثه الإعلام الرياضي من واقع ثقافته وشعوره بالمسؤولية الاجتماعية لبعض الأحوال المؤلمة لعشرات الرياضيين وما يطرح عبر صفحات الرأي وكتابات الرياضيين، وليته يؤخذ بها أو حتى تتكرم الرئاسة العامة لرعاية الشباب بالتعقيب عليه أو الوعد بدراسته أو حتى بتخطئة صاحبه، ونقول إن هناك اهتماماً بالشأن الاجتماعي للرياضيين، وإن مظلتهم الرسمية لم تَنسَ لهم ما قدموا في زمن كانت المادة فيه لا تمثل الهمّ لهم، وإن كانت عصب الحياة، ولكن كان الدافع إشباع رغبة ورفعة وطن. ولا نعلم حتى الآن الدور المناط بإدارة الشؤون الإعلامية التي لا نقرأ عنها أي حضور إعلامي. هل يتوقع ساسة الرياضة ورؤساء الاتحادات واللجان أنهم يستطيعون أن يصنعوا القدوة الحسنة، ويجعلوا المهتمين بالرياضة بمختلف ميولهم واهتماماتهم سيتسابقون في العطاء لها مع هذه السلبية التي لا نراها من قبل بهذه الصورة؟ لا شك إن كانوا يظنون ذلك أنهم واهمون حقاً.
تعظيم سلام لاتحاد الكاراتيه الذي حقق مؤخراً المركز التاسع عالمياً في الشباب والناشئين تحت 21 سنة, وحققوا والمنتخب الأول ميداليات ذهبية وفضية في البطولات الآسيوية والعربية والخليجية. والشكر موصول للداعمين والعاملين.