يوسف المحيميد
إلى: ج. أ
من زار سوق المباركية في الكويت، واستمتع بالتجول فيه، وتناول وجبة كويتية شعبية، وقضى ساعات طويلة فيه، مستمتعاً بعروض غنائية شعبية في إجازات الأعياد والمناسبات الوطنية. ومن عاش لحظات مماثلة يصعب نسيانها في سوق واقف في الدوحة، بكل ما فيه من جلسات شعبية، ومطاعم ومقاهٍ متنوعة في الهواء الطلق، ورأى كيف تحقق هذه الأسواق مزيدًا من المتعة الحقيقية للمواطن وللسائح، لما فيها من فرص التسوق والأكل والتسلية، فضلاً عن تصميمها بطريقة المعمار الشعبي لتلك الدول الخليجية.
من زار هذه الأسواق الشعبية وغيرها، سيسأل ماذا عن مدينتنا الجميلة الرياض، وأي سوق شعبي فيها قد يحقق مثل هذه المتعة؟ هل سوق الزل مثلاً؟ أم سوق المعيقلية؟ وهل فيهما فرصة للأسرة بالتجول على مدار ساعات طويلة خلال اليوم؟ أتمنى ذلك، وإن كان سوق الزل رغم أهميته للمواطنين والسياح الأجانب بالذات، لم يتم تطويره بشكل كبير، بتوفير أماكن للجلسات الهادئة، والمقاهي الشعبية، والمطاعم، إضافة إلى عروض فرق الفنون الشعبية، والمهن الشعبية، كي يصبح أكثر حيوية، وأكثر جذبًا، ولا يقتصر على بيع السجاد والمشالح والبخور والأحذية اليدوية!
وكما كتبت مرارًا، بأنّ الرياض لم تَعُد مدينة واحدة، وإنما هي مجموعة مدن صغيرة مترابطة، فالمسافات أصبحت هائلة بين جنوب الرياض وشمالها، وبين شرقها وغربها، لذلك على أمانة الرياض أن تفكر جدياً باستغلال أحد الأسواق التي كانت محسوبة قديماً على شمال الرياض، بعدما أصبح هذا الشمال هو وسط المدينة، فمنطقة العليا وما جاورها أصبحت تمثل وسط المدينة قياساً بالمسافات بين أقصى الجنوب، وأقصى الشمال، وهذه المنطقة فيها بعض الأسواق الشعبية المكشوفة، وشبه المكشوفة، مثل سوق طيبة، وسوق العويس، وسوق الأندلس، فماذا لو تم استثمار سوق طيبة، وهو الأكبر والأكثر جذبًا، بسوق الذهب الشهير فيه، وهو الذي تم إنشاؤه منذ أكثر من ربع قرن، ماذا لو أعيد تصميمه بطريقة تراثية جميلة، وإعادة ترتيبه، ووضع أماكن مخصصة لبائعات الأكل الشعبي، بدلاً من جلوسهن على أرصفة السوق بشكل غير مناسب لهن، وهن يجلسن أمام أحد أكثر شوارع العاصمة شهرة، وهو شارع العليا، ماذا لو سلمتهن الأمانة أو إدارة السوق محالاً تراثية صغيرة، بتصميم جذاب، وبجوارهن طاولات جانبية، كما في سوق المباركية بالكويت، وأصبحن جزءًا من جمال السوق وتراثه.
كذلك ضرورة تصميم أكشاك تراثية جميلة على الأرصفة لباعة البسطات السعوديين الشباب، فمن غير اللائق أن يجلس هؤلاء الباعة السعوديون، والبائعات السعوديات للأكل الشعبي المنزلي، على الأرصفة، بينما تهيمن جنسية عربية واحدة على معظم محال السوق، كذلك من الضرورة صيانة نافورة مهملة منذ عقدين في وسط السوق، وكذلك المقاعد القليلة التي التهم الصدأ أطرافها... إلخ. فهل تعاد الروح لمثل هذه الأسواق، لتنبض بطريقة جذابة؟!
كما اكتشفنا مؤخرًا جمال الأرصفة حينما تكون متسعة، ومخصصة للمشاة، علينا أيضًا أن ندرك أن مثل هذه الأسواق القديمة، ولكي تكون شعبية مميزة، أن تتم صيانتها دومًا، وتحفل بالمقاهي والمطاعم، وساحة صغيرة للعروض والحفلات، والفرق الفنية، وأصحاب الحرف والفنانين، حتى تحتل المتعة مكانًا موازياً للتسوق والشراء!