يوسف المحيميد
حينما يكتب كثير من الأخصائيين الاجتماعيين في العالم، بأن اتساع شريحة الطبقة الوسطى في مختلف المجتمعات هي ضمانة حقيقية لاستقرار وسعادة هذا المجتمع، فهم يؤكدون على جميع الحكومات بالمحافظة على هذه الطبقة، والسعي إلى جعلها تمثل أكبر نسبة ممكنة من هذه المجتمعات والشعوب.. لذلك كثيرا ما يختل الأمن، وترتفع معدلات الجريمة، في المجتمعات التي انحسرت فيها هذه الطبقة، التي يمكن تسميتها بصمام الأمان!
ولكي تتسع هذه الطبقة، يجب الحفاظ على مستواها الاجتماعي، والنمو به تبعا لنمو الأسعار، بما يوازي معدل التضخم الذي يأكل الأخضر واليابس، فمن الصعب أن يبقى دخل أفراد هذه الطبقة ثابتا، بينما أسعار كل شيء من حولهم تتصاعد بشكل مستمر، لأن هذا يعني أننا ندفع بهم بلا رحمة إلى الطبقة الدنيا، إلى طبقة الفقراء، وربما ما دون خط الفقر!
ولعل أكثر هؤلاء تضررا، هم الذين توقف دخلهم، بينما ما حولهم يتصاعد بجنون، وأعني بهم فئة المتقاعدين من العمل الحكومي أو الخاص، سواء المدنيين أو العسكريين، حيث يزداد الأمر سوءا حينما نقرأ في تقرير جمعية المتقاعدين، بأن الدخل الشهري لما يعادل سبعين بالمائة من هؤلاء المتقاعدين لا يتجاوز ألفي ريال، ولكم أن تتخيلوا ماذا يمكن أن يحقق مثل هذا المبلغ الضئيل لأسرة متوسطة أو حتى صغيرة، بل حتى للمتقاعد نفسه! لا شيء إطلاقا، لأنه يخجل أن يدخل سوبرماركت لشراء مؤنة شهر لبيته، وما في جيبه لا يتجاوز ألفي ريال، فضلا عن التزاماته الأخرى، من فواتير مستشفيات وماء وكهرباء وهاتف، ونقل ومسكن... وبذكر المسكن، يقول التقرير أن أربعا وأربعين بالمائة من المتقاعدين لا يملكون مسكنا خاصا بهم، بمعنى أن هؤلاء، وهم في خريف العمر، يتكبدون تكاليف الإيجار للسكن!
لذلك حينما طالبت اللجنة المكلفة بدراسة مقترح تعديل أنظمة التقاعد بمجلس الشورى، بوضع علاوة سنوية لهؤلاء المتقاعدين، لمواجهة غلاء الأسعار وتكاليف الحياة عموما، فهي تحاول أن تنتشل هؤلاء من قاع المجتمع، والعودة بهم إلى ما كانوا عليه قبل التقاعد، إلى الطبقة الوسطى من المجتمع، وحتى لو كانت مؤسسات التقاعد، سواء المؤسسة العامة للتقاعد، أو المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، تعاني من سوء إدارة أموالها على مدى عقود، فعلى الدولة التدخل السريع لمعالجة أوضاعها، فالقادم حتما أسوأ لسببين، أولهما ازدياد عدد المتقاعدين تباعا، والثاني ارتفاع متوسط العمر بشكل عام في مختلف دول العالم، أي أن الإنسان ممكن أن يبقى حتى التسعين من العمر، مما يعني أن هذه المؤسسات ستظل تصرف المستحقات الشهرية لهؤلاء، لنحو ثلاثين عاما!
كذلك لابد من وضع برامج جيدة لهؤلاء، خاصة في الجانب الصحي، فمع التقدم بالعمر، وازدياد حاجتهم للرعاية الصحية، وضعف دخلهم السنوي، وتردي خدمات المستشفيات الحكومية خاصة في مسألة المواعيد المتأخرة جدا، وندرة توفر الأسرة، يقع هؤلاء المتقاعدين، وذويهم، في أزمات لا يعلمها إلا الله سبحانه، لذلك من الضرورة العمل جديا على توفير الرعاية الصحية لهم، ودفع علاوة سنوية لمعاشاتهم، وقبل كل ذلك تحسين أداء مؤسسات التقاعد ودعمها، كي لا تتعرض للإفلاس، ويتعرض شريحة كبيرة جدا من المجتمع للانهيار والفقر!