يوسف المحيميد
لم تؤثر الشائعة التي انتشرت عن محاولة تفجير إرهابي في موقع الجنادرية، التي نفاها المتحدث الرسمي لوزارة الداخلية، على كثافة الزائرين لقرية الجنادرية، الذين تصل أعدادهم نحو المليون زائر يومياً، رغم أنه يُنظم للمرة الثلاثين، بمعنى أن من كان طفلا عند ولادة هذا المهرجان هو الآن في ريعان الشباب، بوعي أكثر نضجًا وهو يشهد نمو وطنه وازدهاره على مدى تحولاته الشخصية منذ الولادة والطفولة، وحتى الصبا والشباب!
هذا العام، وقد افتتح المهرجان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، تذكرنا ملامح القائد الراحل الملك عبدالله يرحمه الله، تذكرنا ابتسامته ورقصته العرضة النجدية، ذاك الذي وضع بذرة هذا المهرجان الوطني الرائع قبل ثلاثين عامًا، وكأنه يشير، ومن بعده من قادة هذه البلاد الأوفياء، إلى أن الثقافة المتنوعة، بمعمارها وفنونها ورقصاتها، من شمالها إلى جنوبها، ومن غربها إلى شرقها، هي ما سينقذ هذا الوطن من جرثومة التطرّف، وغوغائية التضليل والإقصاء، فهذا الوطن للجميع، والجميع فيه سواء، في الحقوق والواجبات!
ما يجدر الإشادة به، والتصفيق له، هو التواجد الأمني الجيد في موقع فعاليات الجنادرية، التنظيم في الدخول، التفتيش النسوي أولا، ثم تفتيش الرجال، ثم مرحلة ثالثة لتفتيش أغراض الزائرين من حقائب وكاميرات، طريقة إرشاد الزائرين للمواقع من قبل المنظمين، ورجال الأمن في الداخل، فليس سهلا تنظيم هذه الأعداد اليومية الضخمة من الزائرين، سواء على مستوى المركبات، أو على مستوى الأشخاص، وإن كان اتساع الموقع، الذي ضم مختلف مناطق المملكة، وكذلك بعض الدول، أصبح مرهقا للزائرين، خاصة كبار السن أو الأطفال أو ذوي الاحتياجات الخاصة، الذين لو وفرت لهم وسائل نقل ذات مسارات محددة، كسيارات الغولف مثلا، لكان أكثر راحة لهم.
ربما ما يعيب هذا المهرجان السنوي الرائع، هو برنامجه الثقافي، الذي لم يستطع جذب اهتمام المتابعين، وتحفيزهم للحضور والمشاركة، مما جعل الحضور باهتا، لا يشكل شيئا أبدا عند مقارنته بالحضور العائلي الجميل للقرية التي تعرض تراث المناطق والمدن السعودية، والدول الأخرى، ولعل السبب في تضاءل الحضور، هو أحد ثلاثة أسباب، إما أن يكون التوقيت والمكان غير مناسب، أو أن المتحدثين غير مؤثرين، أو أن الموضوعات غير جذابة للمتلقى، خاصة مع هذا الانفتاح الإعلامي الكبير، مما يوجب طرح موضوعات إشكالية، تلك التي تحمل اختلافا وتباينا في الرؤى، بما يحمل الجرأة والإثارة، خاصة أن المتلقي يجد الكثير من الحوار والجدل في مواقع التواصل الاجتماعي، مما يجعله يبحث عن سقف أعلى، وأكثر انضباطا، في حوارات تثري نهمه إلى المعرفة.
ولا يخفى عن منظمي هذا المهرجان العريق، أهمية الفنون في حياة الإنسان، كالفن المسرحي، والتشكيلي، والفوتوغرافي، التي تحتاج إلى معارض مصاحبة، وكذلك الأمسيات الشعرية والقصصية، فلا يكفي الشعر الشعبي وحده، فالمتلقي بحاجة إلى الشعر الحداثي، بأنماطه تفعيلة ونثر، شريطة أن يُقدم بأسلوب جديد، تدخل فيه الموسيقى، كذلك في القصة تشارك فيها المؤثرات الصوتية والمرئية، كي تصبح أكثر جذبا. والبحث عن قاعات متكاملة، في مواقع أكثر رحابة من وسط الرياض.
أخيرًا، هذه الحشود التي تتوافد يومياً إلى موقع الجنادرية تثبت أنها بحاجة إلى الثقافة في رداء التسلية والمتعة، تملؤها اللهفة للفنون في إطار البهجة والتحرر من التخويف والتهويل التي أربكت مجتمعنا لعقود، وأخذته إلى الحرمان من أن يكون مجتمعا سويا.