يوسف المحيميد
تلقيت اتصالاً من وزير العمل الدكتور مفرج الحقباني، أجاب فيه بطريقة منظمة ومقنعة عن أسئلتي حول استقدام العمالة المنزلية، في مقال سابق تناولت فيه عزم الوزارة على دراسة فتح المجال لمكاتب الاستقدام الأجنبية للعمل داخل المملكة، وبالذات مكاتب الاستقدام الخليجية التي لجأ إليها المواطن مؤخراً بعدما تحولت سوق العمالة في الداخل إلى سوق سوداء، أو ما يشبه المتاجرة بالبشر!
كانت إجاباته مقنعة إلى حد كبير، إلا أن أملنا بتطويره لوزارته أكبر، فهو لم يأتِ للوزارة من خارجها، وإنما تنقل بين وكالة الوزارة للتخطيط والتطوير، ثم نائبًا للوزير، ثم وزيرًا، فضلا عن خبراته الإدارية المتنوعة، فمن الطبيعي أن يرتبط نجاح أي وزارة بغيرها من الجهات الحكومية، ومن الطبيعي أننا الآن في مرحلة جديدة، مرحلة ورشة عمل ضخمة تضم كل الجهات الحكومية وشبه الحكومية، بل حتى القطاع الخاص هو جزء من هذا النجاح!
لكن اللافت في إجابات الوزير، وهو ما نغفل عن نقاشه أحياناً، هو أن المواطن شريك في تعقيد ملف العمالة المنزلية، فموقف واحد من مواطن جاهل بالحقوق الإنسانية للعمالة، قد يسبب مشكلة كبيرة في إحدى بلدان الاستقدام، لدرجة أَن تطالب حكومة هذه الدولة بالاستقالة، ما لم تتدخل فوراً بما يخفف غليان الشارع هناك، فعلى سبيل المثال، حين فتحت الوزارة باب استقدام العاملات الهنديات، كبديل مناسب بعد إيقاف إندونيسيا إرسال عاملاتها المنزليات إلى المملكة، ومن ثم إلى الخليج، قامت بفرض نسبة معينة على المكاتب تمثل استقدام عاملات منزليات من الهند، مقابل منحها تسهيلات الحصول على تأشيرات عمالة غير منزلية، للمؤسسات والشركات، ولكن بمجرد أن كُسرت يد عاملة هندية حاولت الهرب من نافذة بمنزل كفيلها، الذي منعها من حيازة هاتف جوال، حتى تدخلت الحكومة الهندية لتهدئة الشارع هناك، بأن أغلقت باب الاستقدام من جديد! وهنا يظهر تساؤل جديد، هل المشكلة في جهل المواطن واستهتاره؟ أم في عدم وجود نظام يضبط العلاقة بين المواطن والعاملة المنزلية، وينفذ بدقة؟ وبخاصة أن هذه العاملة حين تفتح الباب خلسة وتهرب، لتعمل في منزل آخر، لا يمكن إعادتها لكفيلها، ولا التعويض عنها، فلماذا نتوقف أمام اضطراب الشارع في الهند، بينما آلاف المواطنين الذين فقدوا عاملاتهم بعد أيام قليلة من وصولهن، لا يضطرب لهم شيء، ولا ينصفهم أحد؟.
التساؤل الآخر، هل نحن مجتمع بدائي وعنصري، بحيث يتعامل بَعضُنَا مع العاملة المنزلية الأثيوبية، بعد استقدام نحو مائتي ألف عاملة، على أنهن رقيق سود؟ فهل كونهن لم يتم تدريبهن للعمل، إلى درجة أن إحداهن لا تعرف كيف تفتح بابا في المنزل، يشفع للمواطن بأن يعاملهن بقسوة وعنصرية؟ بالتأكيد لا، فمجتمع يفترض فيه خلق الإسلام وتعاليمه السمحة، يعني أن يقيم علاقة رحمة وعطف بهؤلاء، بعيدا عن الحالات القليلة التي ظهر فيها العنف من عاملات تبيَّن أنهن يعانين من إضطرابات نفسية وسلوكية، وهذا بالمناسبة ما يجب أن تهتم به وزارة العمل، بالتنسيق مع مستشفيات الصحة النفسية، للاطمئنان على الصحة النفسية للعاملة الجديدة.
وبعيدًا عن كون المواطن جزءاً من مشكلة العمالة المنزلية، بصفته أحد أطراف العلاقة، وبعيدا عن مشاكل العاملات غير المدربات، وبعيدا عن هروب بعضهن من منازل كفلائهن، فإن اهتمام وزير العمل بالنقد الموجه لوزارته، وحرصه على إيصال المعلومة، باتصاله شخصيا للإجابة والإيضاح والحوار، وتقبل الرأي المضاد، هو أمر إيجابي يحسب له.