د. خيرية السقاف
وكأن لا أطفال يقتلون، ولا أرواح تحصد، ولا بُنى تُهدم،
ولا شاهق يتردى، ولا منارات تسقط، ولا رؤوس تُنكس..
كأن لا انكسارات نفوس، ولا خيبات صدور، ولا أحلام تتشظى،
ولا أماني تتلاشى، ولا حقوق تُغتصب، ولا راحة تُنتهك،
كأن لا سلام يُقوض، ولا أمانٍ يُفنى، ولا مواثيق تُحرق..
كأن كل شيء على ما يرام، وأي شيء في سلام..!!
كأن الشمس تشرق على ابتسام، وتغيب على ضحكة،
كأن الليل يلم ساكنيه بلا آلام، والغسق يضم مطمئنين في نعيم..
لذا ففضائيات عربية تشعل رغبات السذج يصفقون للغناء،
ويتسابقون من أجل حفنات من النقود في خواء،
والمذيعات عارضات ملونات،.. مرفّهات ضاحكات..
و.. كأنّ المشردين قصة واهمة، والقتال خيال شيطاني،
والميتمين لم يفقدوا الدار والآباء، والثكالى لم يعصبن الجباه، ويتحزّمن بالفقد..!
كأنّ الهاربين المشردين مسرحية عابرة
كأنّ هذا العدوان غير الأخلاقي لم يهدم المدن، ولم يمسح عن سطح الأرض الإرث،
ولم يعث بجنونه المحموم في فرح الطفل نهشاً، وفي سكينة الشائب قلقاً، وفي ورع المتبتل جرحاً،..!!
كأنّ ما يجري هو كابوس مروّع..، أو هو خيال مفزع..
مع أنه واقع كئيب.. ، حسير، كسير، خادش، صادم..!
لا كابوساً مخيفاً، ولا مسرحية محزنة، ولا قصة مفزعة،
لا ملهاة فارطة، ولا قصة مجنونة،
لا وهْماً، ولا خيالاً ، ولا حديث شيطان..
إنه حقيقة مفرطة في الإيغال،..
وإنه واقع خارج المعقول ليس له مآل..
ومع هذا فالشرائح الغالبة من «العرب» يغنّون، يتعطّرون،
يمدّون الموائد، يتذوّقون الأطعمة، يتسابقون لعيادات التجميل،
ولمخازن الأزياء، ومتابعة فلم السهرة، وجوائز «الأوسكار»، وأخبار النجوم، والمسلسلات التركية، ويتسابقون لحصد المال في الفضائيات، ويرسلون دموع الفرح لفوز صغارهم في أجمل الأصوات تأهيلاً لهم خارج خط الواقع..!!
ثم لدقيقة،
دقيقة فقط يترحّمون بكلمتين على ضحايا «الكابوس»..!!
ومن بعد ينفضون رؤوسهم، وينسون..!!
بيْد أنه الواقع الأصعب في التاريخ..!!