د. خيرية السقاف
ليس من الإنصاف، ولا من اللياقة أن ينكر المرء جهود الآخرين، فيعم بنكرانه جميعهم، ويتجاهل المجتهدين منهم..! لأن الواقع يؤكد أن ليس الناس كلهم على مستوى واحد في أدائهم، فباختلاف فروقهم الفردية المختلفة، تكون فروقهم في أعمالهم، أداءً، وإتقانا، وإنجازا،.. ونتائج.
بناء على هذه الحقيقة، فليس جميع الأجهزة الخدمية لا تؤدي واجباتها على وجه من الدقة والأمانة، أو لا تقوم بأدوارها بشكل فعال، فقط لأن ثمة متقاعسين، متسربين، لا يقومون بأعمالهم كما ينبغي، فيلحق النقص بجميع من يعمل فيها لا يعمل، فلولا الذين يعملون بجد وإخلاص ما استمرت دائرة في أداء مهامها، وإن كان بعض أفرادها يفسدون، فهم وحدهم المستحقون للنقد، واللوم، بل المحاسبة. وحفظ حق التقدير لسواهم.
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حث على العمل والإتقان فيه، وأخبر بالرعاية وشدد على الوفاء بها، وأكد على الإيفاء للأجير بأجره، ووجه إلى عدم إسناد عملين لأحد في آن واحد كي لا يشق عليه فإما أن يهملهما معا، أو لا يتقنهما معا، أو يؤدي أحدهما ولا يؤدي الآخر..
فاعطوا الناس حقها من التقدير ما داموا يعملون، ويجتهدون، ولا يتأخرون عن الوفاء بواجبهم، والإخلاص لمسؤوليتهم، إن رأيت رجل أمن يجلس في عربته خلف مقودها يتابع شاشة هاتفه وليس الشارع، فثق أن هناك عشرات غيره تحت الشمس خلف المقود يستشفون ما وراء هواء الشارع، والأسوار، والوجوه، والأصوات.
وإن رأيت موظفا في بنك يقدم عميلا عن آخر أحق خدمة منه بأقدمية الوصول عمن جاء بعده فاعلم أن هناك موظفا غيره في المكان نظيره يحرص على خدمة الجميع حسب أدوارهم بأمانة، وإن شاهدت مسؤولا يسرع في غير اتجاه الإشارة ، فهناك مسؤولون لا يتخطون راكبا في عربة متهالكة، وإن نام مسؤول عن «معاملة» مستحق في مكتبه، أو ثان أخَّر مصلحة مضطر، أو أنكر متحدث علمه بأمر مراجعيه، فثق أن هناك غيرهم يحرصون على المبادرة، ويركضون للإنجاز، ولا يتقاعسون عن حاجة مراجعيهم، وإن أغلقت أبواب في وجوه مراجعين، فهناك أبواب لا تغلق عن حاجة أحد.
ليس كل فاشل، أو فاسد، أو مستهتر، أو متكبر، أو غافل في أعمالهم هم المقياس للكل، كبر في مرتبته، أو صغر.. الحياة بخير، ولا يزال الناس فيها على خير..
وليدرك المرء أن المسيرة قد يعثرها الفاشلون، والمتقاعسون، وغير الأمناء، والوصوليون، والراكبون الموجات، والمشغولون بمصالحهم، واللاهثون لمنافعهم،
وأن الغبار يستقر على أوراق النائمين منهم، أو المتعالين على غيرهم، أو الجاهلين بحقوق سواهم، لكنها ماضية بعزيمة المخلصين، المكافحين، الصادقين، الأمناء، النزيهين، المجتهدين. ولئن سأل المرء نفسه، من أيهم يكون هو..؟ فإن كل فرد عن نفسه مدافعا، ومنزِّها، ينسى إن كان على خطأ قد مر، أو غفلة قد حدثت، أو لحظة ضعف فيها فأهمل، أو قصَّر، أو تجاوز، أو لم يؤدِّ عمله على وجه من الإتقان.. في حين إن يفتح صفحاته بأمانة، وشفافية، ويصدق مع هذه النفس فسوف يدرك أنه واحد في الطابور من البشر، يقع عليه ناموس الصواب، والخطأ.. فالناس كل الناس بين مجيد وغير، ومصيب ومخطئ، بين سليم اليوم، وعليل في الغد، أو العكس، وبين منتج، وصفر اليدين، فلا يؤخذ كلهم بأخطاء بعضهم. فالإنصاف شريعة العادلين.