يوسف المحيميد
كثيراً ما نتباهى بتطور المستشفيات لدينا، على المستوى الإقليمي، وهذا أمر صحيح إلى حد كبير، رغم أن دوام الحال من المحال، فكما كانت الكويت على سبيل المثال، أو لبنان، وجهة العرب الباحثين عن علاج طبي متميز، وهناك الكثير من الحكايات التي كان يسافر فيها السعوديون لهاتين الدولتين، ولغيرهما، للعلاج في مرحلة الستينيات من القرن الماضي، لكن الأمر تغير كثيراً، وانتقلت السيادة على المستوى الطبي إلى دول أخرى، لعلّ المملكة إحدى هذه الدول المتطورة، رغم كل ملاحظاتنا على تردي الخدمات الصحية، ورغم الأخطاء الطبية التي تظهر بين الحين والآخر!.
ومع ذلك فإن الفرق بيننا وبين الدول الغربية على مستوى الإمكانات الطبية شاسع للغاية، لعل أولها التشخيص الصحيح، وهو الخطوة الأولى في العلاج، مما يجعل كثير من المواطنين يفضلون العلاج في الخارج على الداخل، حتى لو كان هذا العلاج متوفراً في الداخل، مع أن ذلك يتم على حساب المريض الشخصي، لكن في حالة عدم توفر العلاج في الداخل، تتم خطوات طويلة من أجل العلاج في الخارج على حساب الدولة، وهذا الأمر شائك، يخضع لموافقة اللجنة الطبية على علاج المريض خارج البلاد، ولكن الأكثر مرارة، وما يعاني منه كثير من المواطنين، ممن تصدر له موافقة للعلاج، هو إيقاف العلاج وقفل ملف المريض بعد فترة محددة، إما ستة أشهر عند بداية فتح الملف، أو ثلاثة أشهر عند التمديد، ولعل ما يقلق المريض أن معظم حالات العلاج تتطلب فحوصات مختبرية، ومراجعات طبية، متباعدة، مما يعني تورط المريض وذويّه بعلاج ناقص، ويبدأون رحلة ملاحقة هذه اللجنة، إلى درجة أن الوصول إلى رئيس هذه اللجنة أصعب من الوصول إلى الرئيس الأمريكي، فمن الصعب أن تعثر عليه لتتحدث إليه، ومن الصعب التعامل مع الحالة الإنسانية للمريض المنقطع بعيداً عن جمود الأنظمة، ومن الصعب أن يتم فتح الملف، الذي يغلق لأسباب كثيرة، بخلاف انتهاء المدة، كالعودة إلى الوطن قبل نهاية المدة المخصصة للعلاج، حيث تعتبر عودة المريض - في عرف اللجنة - نهاية علاجه، حتى لو لم ينتهِ!.
ويصبح الموضوع معقداً جداً، حين يتعلق الأمر بزراعة عضو، كما في حالة الطفلة غزلان المطيري التي تمت زراعة جهاز هضمي كامل لها، مما يتطلب متابعة الحالة لمدة سنتين تقريباً، لكن النظام الذي حدد ستة أشهر للعلاج، أوجب قفل ملفها، وإعادتها للمتابعة في الداخل، مما أدى إلى انتكاس حالتها، وكذلك الأطفال ناريز وعبدالرزاق العنزي وغيرهم من الأطفال والمرضى الذين أقفلت ملفاتهم وهم في حالة حرجة!.
هؤلاء، سواء الأطفال أو الكبار، ممن يعانون من المرض، ومن قفل الملف معاً، يحتاج النظر في ظروف علاجهم بعين الرحمة التي تغلّب الجانب الإنساني على الجوانب النظامية البيروقراطية الجامدة.