حمّاد السالمي
* شيطنة الدول والجماعات والأحزاب؛ لعبة سياسية معروفة في عالمنا، غير أن النجاح في استخدامها؛ يخضع لظروف دينية وسياسية واجتماعية ونفسية قلّ أن تتوافر لهذه الدولة أو تلك.
* استخدم مؤيدو (روح الله الخميني)؛ رأس الثورة الإيرانية ومؤسس (الجمهورية الإسلامية في إيران) سنة 1979م؛ مصطلح (شيطان بزرگ) باللغة الفارسية، ما يعني بالعربية (الشيطان الأكبر) وبالإنجليزية (Greatest devil). وهو مصطلح سياسي ظل حكام طهران يرددونه طيلة ثلاثة عقود، ويشيرون به إلى (الولايات المتحدة الأمريكية)، ثم إلى (المملكة المتحدة- بريطانيا)، إلى أن نجحوا في توقيع اتفاقية (5+1) الخاصة بالسلاح النووي، بعدها لم يعد هناك حاجة لشيطنة أمريكا، ولا حتى بريطانيا على ما يبدو..! وكان الخميني هو نفسه أول من استخدم هذا المصطلح، ليصبح جزءًا من الخطاب الإيراني الرسمي لرؤساء الجمهورية ونوابها ووزرائها من بعده.
* أتذكر جيدًا أثناء زيارتي لإيران ضمن وفد إعلامي سعودي في العشر الأواخر من شهر ديسمبر عام 2006م، أن لقاءاتنا مع كل من وزير الخارجية ونائب رئيس الجمهورية في مقر سكننا، ثم لقاءنا مع رئيس الجمهورية أو آنذاك محمود أحمدي نجاد في مكتبه برئاسة الجمهورية؛ كانت تبدأ وتنتهي بمصطلح (الشيطان الأكبر)..! وكأننا صحافيون أمريكيون وليس من بلد عربي إسلامي مجاور لإيران، ولها معه حدود بحرية على طول الساحل الشرقي للخليج العربي، حيث حرص الزعماء الثلاثة بما فيهم محمود أحمدي نجاد؛ أن يسمعونا بمناسبة وبدون مناسبة؛ تسميتهم لهذا الخليج المشترك بيننا وبينهم، وأنه (الخليج الفارسي)..! مثل حرصهم على أخذنا في طريقنا إلى مدينة أصفهان، أن نرى قرابة مئة طائرة عراقية عسكرية ومدنية رابضة على أرض مطار مهجور، وهي الهدية التي قدمها صدام حسين لأعدائه الألداء في طهران بعد هزيمته في الكويت، وانكفائه ومطاردته من قبل قوات التحالف الدولي في داخل الأراضي العراقية..!
* استغل الخميني وقتها والخمينيون من بعده؛ مشاعر العرب والمسلمين الكارهة لأمريكا ولأدوارها المشبوهة في المنطقة، ومن هذه الأدوار المؤججة للكره ضد الولايات المتحدة وسياساتها، المواقف المؤيدة للعدو الصهيوني طيلة أمد النزاع العربي مع إسرائيل، وقد نجحوا إلى أبعد حد؛ في توظيف هذه الكراهية المتنامية لتحسين صورة إيران في الذهنية العربية والإسلامية، وخاصة عند الأوساط المذهبية الشيعية، التي تعبر في مناسباتها الدينية، عن مظلومية شعبوية تاريخية، وكذلك عند الأحزاب الإسلاموية السنية، التي تنطلق في مواقفها السياسية؛ من بنائية جدلية رافضة للغرب، فهي الأخرى تعبر عن مظلومية معاصرة، تراها لحقت بها طيلة عقود مضت.
* من السهل كسب مشاعر الشعوب الكارهة، وهذا ما استفاد منه الخمينيون الذين ظلوا طيلة ثلاثة عقود يدغدغون مشاعر العرب سنة وشيعة بالخطاب الظاهري المزيف؛ المعادي لأمريكا والغرب وإسرائيل، وبهذا وجدوا الطرق سالكة للتوغل والتغول في أكثر من بلد عربي، حتى كونت إيران شبكة كبيرة من الأتباع والعملاء الذين يتحركون بالمال الإيراني، ويفسدون بالمال الإيراني، تحت غطاء ديني ومذهبي مزيف، ولجأ حكام إيران إلى استخدام وسائل قذرة مع الدول التي لم يتمكنوا من التوغل فيها مثل المملكة العربية السعودية والبحرين على سبيل المثال، فراحوا يخططون لإثارة الفتن، وزعزعة الأمن، ونشر المخدرات، وتكوين فئات إرهابية تخرب وتفجر وتقتل بدون وازع ديني ولا أخلاقي، ونحن نعرف ماذا كانوا يفعلون في الحج وفي المشاعر المقدسة، من فوضى وتهريب مواد متفجرة واستفزاز لحجاج بيت الله الحرام، وماذا فعلوا ويفعلون في البحرين حتى اليوم، إلى غير ذلك مما لا يحتاج منا إلى تفصيل.
* اللازمة الثانية التي لفتت انتباهي في لقاءاتنا مع التركيبة السياسية في طهران بقيادة محمود أحمدي نجاد قبل عشر سنوات؛ هي الكلام بإسهاب على التبادل التجاري والسياحة، فوزير الخارجية ونائب الرئيس والرئيس نفسه، يعبرون عن عتب إيراني شديد على دول الخليج وفي المقدمة المملكة العربية السعودية، التي تذهب أموالها الطائلة (تجارة وسياحة) -كما يقولون- إلى الشيطان الأكبر والغرب، بينما إيران الجارة أحق بهذا من أولئك البعيدين في أوروبا وأمريكا، وتذكرت يومها -ولكن بعد خروجي من مكتب الرئيس الإيراني- أن من مبادئ ثورة الخميني: رفض سيادية الشعب لأنها تأتي من الله، ورفض التطور المادي. فقد قال الخميني مرة: (إن الاقتصاد شغل الحمير)..!!
* لقد ثبت جليًا اليوم؛ أن الجمهورية الإيرانية تدار بعدة رءوس شيطانية، لكل رأس منها شغل يختلف عن شغل الآخر، وأن هاجس الهيمنة والسيطرة على الجوار العربي، هو الشغل الوحيد الذي تتفق عليه كافة الرءوس، ابتداءً من مفتي الجمهورية، وليس انتهاءً بوزارة الخارجية والحرس الثوري، وأن (شغل الحمير) الذي رفضه الخميني؛ هو هدف الخمينيين الجدد، الذين يتصرفون بجنون وشيطنة فوق تلك التي كانت لـ(شيطان بزرگ).
* إيران اليوم: (شيطان خطرناک ترين است).. (الشيطان الأخطر). شيطان أخطر؛ في المنطقة العربية، وفي العالم أجمع.