عبدالعزيز السماري
طغت على السطح الإعلامي مؤخرا ظاهرة تتبع زلات الآخرين، والتفتيش في حياتهم الخاصة وأوراقهم ودفاترهم القديمة، ثم نشرها على صفحات الإعلام و محاكمتها، وإصدار أشد الأحكام على الضحايا، ولم يعد الأمر قاصراً على تتبع زلات العوام في الأسواق، فالاختراق وصل إلى أعلى من ذلك، وهو ما يعني أنها أصبحت أقرب إلى حالة التفتيش.
ظاهرة تتبع الزلات والبحث عن الفضائح ظاهرة غربية بامتياز، وتخالف القاعدة الإسلامية عن ستر الأخ المسلم، وعدم فضحه، وتبرز عادة هذه الظاهرة أثناء الانتخابات الغربية وخصوصاً الأمريكية، ولا تفرق بين فئات المجتمع أو بين عوامه ووجهائه، ولا تخص فئة عن فئات..
وقد واجه الرئيس بيل كلينتون أكبر مطاردة في حياته الشخصية السابقة، إلى أن انتهى به الأمر في فضيحة مونيكا في البيت الأبيض، ولعلهم بذلك يقولون بحكمة المتنبي:
إذا غامرت في شرف مروم.. فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر حقير.. كطعم الموت في أمر عظيم
والموت هنا يعني السقوط أوالاغتيال المعنوي..
لكن يوجد ثمة فروقات جوهرية عند المقارنة بين تجربتنا في تتبع الزلات، وبين التجرية الغربية، فالأمر يختلف تماماً، ففي الغرب تعتبر ظاهرة إعلامية وحق مشروع للجميع، ويحكمها القانون وتعتبر من صميم اللعبة الديموقراطية، ولهذا دائما ما يحرص السياسي أو رجل الإعلام أو رجل الدين أن يكون سجله الشخصي نظيفاً من الزلات، لكنها تظل لعبة مفتوحة للجميع، ولا يقوم بها فئة عن اخرى، ولا توجد حصانة لناس عن آخرين، وهكذا.
في واقعنا المعاصر يختلف الوضع تماما، وقد يخالف في بعض تطبيقاته معاني ومضامين القواعد الإسلامية، ولا أعتقد أن من مهمة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الرسمية تتبع زلات الناس وفضح مخالفاتهم، وهي الهيئة الرسمية، وإن فعلت، فقد يحمًلها ذلك ما لا يصح، وهو ما يستدعي مراجعة أدوارها الخارجة عن مهامها الرسمية في الوعظ والإرشاد والنهي في المجتمع.
وجه الخطورة في الأمر يكون في استغلال هذا الجانب في مناصرة طرف ضد آخر، والذي قد يؤدي إلى مالا تحمد عواقبه، فالتشدد والتطرف في مطاردة عثرات الآخرين المخالفين للتيار المحافظ جداً، والتجسس عليهم قد يؤدي إلى هروب النخب من المجتمع، وقد يولد حالة من التطرف المضاد، وقد ظهر شيئا من ذلك، ومنها ظواهر الإلحاد والتطرف السلوكي بين الشباب.
يعيش المجتمع في حالة أشبه بالحرب ضد الإرهاب، ومن أهم مبادئ الإرهاب الديني في تفجير المجتمع هو اعتقاده أنه له حق الوصاية الكاملة على الناس، وأن لهم حق مراقبة وملاحقة العوام وفضحهم، والقيام بجميع الأدوار، وأرى أن تبني مثل هذه الأفكار يدخل الإنسان في دائرة الإرهاب بدون وعي.
كما أن أي حالة تسلط واستبداد بحقوق الناس تدخل في تعريف الإرهاب، وقد عرَّف «المجمع الفقهي الإسلامي» الإرهاب بأنه العدوان الذي يمارسه أفراد، أو جماعات، أو دول، بغياً على الإنسان (دينه، ودمه، وعقله، وماله، وعرضه)، ويشمل صنوف التخويف، والأذى، والتهديد، والقتل بغير حق، وما يتصل بصور الحرابة، وإخافة السبيل، وقطع الطريق.
كما أنه يشمل كل فعل من أفعال العنف، أو التهديد، أو يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي، فردي، أو جماعي يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بإيذائهم، أو تعريض حياتهم، أو حريتهم، أو أمنهم، أو أحوالهم، للخطر، ومن صنوفه أيضاً: إلحاق الضرر بالبيئة، أو بأحد المرافق، والأملاك العامة، أو الخاصة، أو تعريض أحد الموارد الوطنية، أو الطبيعية، للخطر، فكل هذا من صور الفساد في الأرض.
ما أريد الوصول إليه أن نعي بحكمة ما هو الإرهاب وما طرقه ووسائله، وذلك لئلا نقع فيه أو نروج له بدون وعي للعواقب المترتبة عليه، وقد أحسن المجمع الفقهي الإسلامي تعريفه، فهو سلوك مضمونه إلحاق الضرر والأذي بالإنسان والبيئة والطبيعة والوطن، ولو أدركنا معنى ذلك لجنبنا الوطن والمواطنين خطر الإرهاب ومسالكه، والله المستعان.