تركي بن إبراهيم الماضي
كان تعليم الكتاتيب مثمراً في زمنه. ثم أتت بعده فترة التعليم النظامي - بشقيه العام والعالي - التي تشرف عليه الحكومة. وأيضاً كانت فترة التأسيس مهمة، ومثمرة في وقتها، حيث أخرجت جيلاً متعلّماً، قاد العملية التنموية في البلاد.
لكن التعليم ظل على حاله منذ أكثر من ثلاثين عاماً، دون تطوير حقيقي، يراعي الزمن الذي نعيشه، ومتطلبات التنمية، والتحديات الكبرى في المواءمة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل، وخاصة في ظل أن نصف سكان البلاد تحت سن العشرين عاماً!
وفي التعليم العالي، ظلت الجامعات تخرّج شباباً وفتيات لا يجدون وظائف، إلا في تخصصات محددة كعلوم الطب والهندسة والحاسب الآلي.
وما زالت الجامعات، تستقبل أعداداً هائلة، في تخصصات نظرية، لا توجد وظائف لها في سوق العمل، وإذا وجدت فهي وظائف محدودة جداً. وأتساءل: كيف تترك الجامعة لطلابها أن يختاروا تعليماً لا مستقبل له!
لست أدعو هنا إلى إقفال الكليات النظرية، فالمعرفة في كل مجال مهمة، لكن أدعو إلى تدخل وزارة التعليم - وهي الجهة المشرفة والموجهة فعلياً على التعليم العالي- بحيث تزيد مساحات الكليات العلمية أو المهنية، وتحد من قبول الطلبة في الكليات النظرية إلا في الطلبة الموهوبين في هذا المجال.
جامعاتنا تتشابه في هيكلها العام وكلياتها - واستثني جامعة الملك فهد للبترول والمعادن وجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية - وهذا التشابه، أدى إلى تكرار التجربة نفسها، في دفع الشباب والفتيات إلى سوق العمل، بتعليم لا يطلبه أحد، وإن طلبه، فإن ذلك ليس بسبب الشهادة التي يحملها الشاب أو الفتاة. ربما بفعل الواسطة، أو لتحقيق معدل السعودة المطلوبة من المنشأة في التوظيف.
ليس في الأمر صعوبة، لكن تحتاج إلى إرادة صلبة. لا تفعل ما يريده المجتمع، بل ما يراد لهذا المجتمع أن يحققه، وأن ينهض من غفوته، ليصنع تعليماً يواكب الحاضر، وعينه على المستقبل. قادر على أن يكون مثمراً لطلابه، وأن يكونوا بدورهم مثمرين لمجتمعهم.
وأتذكّر هنا، قصة الرجل العصامي -رحمه الله- الذي كرَّس حياته في تربية أبنائه، وأنفق الغالي بتعليمهم في جامعات أجنبية وبتخصصات مطلوبة في أي مكان بالعالم. أتذكّر أنه كان يقول في مجالسه: «تركت لأبنائي ما لا يستطيع أحد أن يشاركهم فيه، أو أن يأخذه منهم. قد أورثهم مالاً، ووجاهة، لكن المال والوجاهة لا تدومان. تركت لهم تعليماً، لن يحتاجوا بعده أن يسألوا أحداً مالاً أو مساعدة».
كانت رغبته، هي نفس رغبة أي أب في العالم، أن يكون ابنه قادراً على الاكتفاء بنفسه، دون أن يسأل الناس، أعطوه أو منعوه. لكنه اختلف، كما آخرين مثله، في أنه آمن بأن التعليم (يبني بيوتاً لا عماد لها)!