تركي بن إبراهيم الماضي
في السنوات الأولى لدخول الإنترنت إلى المملكة، كنت معتاداً على استخدام البريد الإلكتروني - مثل آخرين غيري - بشكل دائم، في جميع المراسلات التي تتم بيني وبين من أعرفهم من الأصدقاء والزملاء.
كان البريد الإلكتروني وسيلة سريعة، وفعّالة، في زيادة التواصل بين الناس، وأيضاً في سهولة نقل المعلومات
والمواد المختلفة. كنت اعتدت أن لا أمرِّر أي معلومة إلا بعد أن أتحقَّق منها، خاصة ما يتعلق بالأحاديث النبوية المكذوبة أو القصص الملفقة، التي تنتهي برجاء أن تمررها لغيرك؛ حتى تحصل على مليون حسنة! كيف أحصوها، وكيف ضمنوا احتساب هذه الحسنات.. لا أعلم؟
كنتُ إذا قرأتُ في بريدي مادة من هذا النوع أعيد إرسالها مرة أخرى إلى صاحبها، والتنبيه عليه فيما وقع به، إذا كنتُ عالماً بما قرأتُ عنه، أما إذا كنتُ جاهلاً به، ولم أستطع الاستزادة أو التحقق من صحتها، فإنني أرميها في سلة المهملات. كنتُ أنبِّه على جميع من أعرف: «لا تمرِّر شيئاً لا تعرف صحته». كنتُ أتلقى الرد المتكرر «عذراً؛ لم أقرأها جيداً».
أحد أصدقائي كان يرسل من بريده الإلكتروني عشرات الرسائل يومياً من نوع «مليون حسنة»، وكنتُ أرد عليه دون ملل «اقرأ الرسالة قبل أن تعيد إرسالها». كان يجيب: «لقد أرسلتها إلى جميع الأصدقاء المضافين لدي، ولم يعترض إلا أنت». أعيد تذكيره كلما قابلته: «أنت مثل مندوب شركة تسويق.. لا أحد يريد منتجاتك رغم إصرارك على الترويج لها»!
كان ذلك زمناً مضى، أما الآن فإن الحال تغيرت مع تكاثر برامج وشبكات التواصل الاجتماعي، مثل «الواتس آب» و «التيليجرام» و «التويتر» و»فيس بوك» و»سناب شات»، وغيرها، التي أضحت وسيلة سهلة، وفعالة، لتمرير أي معلومة.
هذا الكم الهائل من المعلومات يجعل من العسير تفحصها على الإنسان المتخصص في علمه، فما بالك بالإنسان غير المتخصص، الذي قد تنطلي عليه أي قصة أو معلومة تلامس الجانب العاطفي فيه.
والجانب الأخطر في هذا الموضوع هو ما يتعلق بالأطفال والمراهقين تحديداً، الذين يعدّون أكثر المستخدمين لشبكات التواصل الاجتماعي، وهم أكثر من يقبل بتصديق أي رسالة تمرر من خلالهم، وأهم من يتأثر بالآراء المطروحة في وسائل التواصل، على اعتبار قلة علمهم وإدراكهم. والأهم هو ادعاء المعرفة، خاصة لدى فئة المراهقين التي تحاول لفت النظر إليها، لإثبات وجودها. لذا، لا غرابة في أن غالبية المشاركين في «الهاشتاقات» المتداولة في وسائل التواصل هم من هذه الفئة، التي تجادل دون أساس معرفي، لكنها تعشق الخوض فيه، طالما أنه يلفت النظر إليهم.
المختصر المفيد في النهاية: لا ترضَ أن تكون معبراً أو جسراً للأكاذيب والشائعات!