تركي بن إبراهيم الماضي
غيرت التكنولوجيا شكل حياة الإنسان المعاصر. جعلت حياة هذا الإنسان أكثر سهولة، وأقل حركة، ووفرت عليه الوقت والجهد الذي كان يبذله الإنسان قبل عشر سنوات وأكثر. كل ما تود أن تقوم به تستطيع فعله دون أن تتحرك من مكانك.
جهاز هاتفك الذكي سيوفر لك الاطلاع والتفاعل مع حسابك البنكي، وانجاز خدماتك الحكومية، تفقد بريدك الخاص، التواصل مع من تعرف ومن لا تعرف، التعامل مع كافة القطاعات الخاصة والحكومية، ومتابعاتها تحت بصرك وبين يديك.
هو ليس جهاز هاتف ذكي، بل أكثر من ذلك، تستطيع أن تسميه جهاز الاحلام. قد يراه الآن من يعيش اللحظة الراهنة، إنه جهاز مثل غيره من الأجهزة الاخرى، التي اخترعت في هذا العصر، ولكنه قبل أكثر من عقدين من الزمان، كان أشبه بالحلم منه إلى الحقيقة !
لكنها من ناحية أخرى، نزعت هذه التكنولوجيا الإنسانية من الإنسان نفسه، وفقدان الاحساس مجرد الاحساس بالفعل أو ردة الفعل لأي حركة يؤديها. وفي الحقيقة هي ليست حركة، بل مجرد ضغطة زر من إصبع واحد على لوحة المفاتيح في جهاز الهاتف الذكي، ويتحقق له ما يريد. صحيح أنها وفرت حياة أسهل، لكنها على مستوى العلاقات الإنسانية باتت أصعب. ضغطة زر، ضغطت حياة الإنسان المعاصر!
العالم من حولنا كله يتحول إلى قرية الكترونية، يشكل الجهاز الذكي محوره الرئيسي، بل إن البقاء خارج دائرته هو بمثابة المنفى الاختياري لصاحبه، حيث سيكون كمن يعيش معزولاً لوحده في جزيرة نائية، والجزيرة هذه هي دائرته الصغيرة، بعيدا عن العالم الالكتروني!
صديقي الذي لا يزال أمياً في التقنية، يصر على حمل هاتفه القديم. لا يهتم بعبارات السخرية التي يتلقاها من معارفه. كان يؤمن بأن هذه الأجهزة الذكية مثل السحر، لها مفعول عجيب على عقول الناس، ويبرر بأنها أخذت لب الكبير قبل الصغير، وصار الفرد مشغولاً بجهازه أكثر من أي شيء آخر!
كان يعجبني اصراره على اختياره، لكنني كنت أحذره، بأنه سيأتي اليوم الذي سيغدو فيه مسحوراً بهذا الجهاز!
مرت سنوات قليلة، وإذ به يلتحق بركب من فتن بالهاتف الذكي. سألته عن هذا التحول. ضحك وهو يقسم بأن أبناءه أجبروه على ذلك. كان هو الوحيد في عائلته الذي يعيش خارج الإطار الإلكتروني في شبكة العلاقات العائلية.
لكنه لا يزال مصراً على أن هذا الجهاز بمثابة السحر. وكل من يقع في براثنه هو شخص ممسوس، وحتى يشفى مما هو فيه، لا بد أن «يكوى على علباه»!