تركي بن إبراهيم الماضي
انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي لقطة مصورة التقطت في مدينة أمريكية. الصورة كانت عبارة عن ملصق على عمود كهرباء ومكتوب عليه: «توقفوا عن جعل الأغبياء مشاهير»!
ملصق احتجاج مهذب وراقٍ يكشف حجم الزيف الذي يعيشه إِنسان اليوم،
... أمام هذا الطوفان الذي لا يتوقف ولا ينقص تدفقه عبر الشبكات الاجتماعية ووسائل الإعلام الجديدة.
لا أحد يلاحظ حجم التفاهة التي تأتي على أجهزتنا، ولا يستطيع أن يلاحقها. حجم التدفق الهائل وبشكل يومي، يربك الإِنسان العاقل فما بالك بالإِنسان الفارغ!
أقول لا أحد يلاحظ، لأن استمرار هذا التدفق للتفاهة، يجعل منها أمراً مقبولاً، بحكم تكرارها المستمر، وهو أخطر من تأثير التفاهة نفسها على مستوى الفرد أو المجتمع!
أتذكر مرة أنني رأيت زميلا بالعمل يمشي وهو يدندن بأغنية شبابية تافهة. كنت خلفه، ولم أكن أصدق ما أرى. وإذ اقتربت منه، سمعتها بوضوح لا شك فيه. سألته: لم أكن أعرف أنك من هواة الفنان (....)؟
لم يخفِ ارتباكه وهو يقول: تعرفني جيداً. لست من محبي الأغاني. لكن الحكاية أنني كلما قدت سيارتي استمع للراديو. وهذه الأغنية لصقت بلساني لكثرة إذاعتها مرات عدة في اليوم الواحد!
«التكرار» هو الخلطة السرية لأي مادة إعلامية أو إعلانية يراد لها الانتشار والنجاح، بغض النظر عن جوهرها أو معنى رسالتها. وهو ما يحدث الآن فيما يتداول في شبكات التواصل الاجتماعي أو حتى وسائل الإعلام التقليدية.
«التكرار» هو ما يجعل التفاهة أمراً مقبولاً. وهذا القبول أدَّى في نهايته ألا يكون لقاع هذه التفاهة نهاية أو حد. يدفع ذلك التافه، وبرغبة في الشهرة أكثر، إلى أن يمارس قولاً أو فعلاً أكثر انحطاطا ممن سبقه في الشهرة في هذا المجال.
وهذا ما يجعلنا كلما أردنا أن ننسى حماقة فلان، خرج علينا من هو أشد حماقة منه. كأننا في مشهد سباق طويل، لا نرى فيه راية النهاية. متسابقون كثر، ومتفرجون أكثر، وحماسة تبدو للعيان، على من يكمل السباق، ومن يخرج منه باكراً. متفرجون يصفقون بحرارة على مشهد التفاهة، يزيدون السباق اشتعالاً، ويدفعون المتسابقين للعدو أسرع!
نحن في زمن، الجمهور هو من يصنع نجومه. لا يهم ماهية هذا النجم. المهم أن يستمر السباق، وألا يتوقف تدفق طوفان التفاهة!