لبنى الخميس
لطالما تساءلت ما هو السر خلف تلك الألقاب التي تزين أسماء المدراء والوزراء والمسؤولين. (سعادة ومعالي) وتضيف لمناصبهم السعادة والمعالي إلى جانب السلطة والقوة التي تمتعهم بها تلك الكراسي.. لتظل السعادة والمعالي في كثير من الأحيان مجرد ألقاب فارهة ترافقهم لا أهداف ملحّة تؤرقهم.. حتى جاءت الإمارات «أرض المفاجآت» قبل أسابيع قليلة وأعلنت عن نيتها تعيين وزير للسعادة تلك القيمة الأسمى لكل الحكومات عبر التاريخ، ليخرج هذا اللقب التاريخي عن مساره التقليدي ويتحول من سعادة الوزير إلى وزير السعادة!. تساءل البعض ساخراً عن مهام ذلك الوزير «السعيد»؟ وأدوات قياس أدائه وسط طاولة مجلس الوزراء المثقلة بحقائب وزراية دسمة كالتعليم والدفاع والصحة والعمل.
لا أعرف حقيقة تعريفاً واحداً يختزل السعادة، ولا تفسيراً يتيماً للمواطن السعيد.. لكني أجزم أن وزارة السعادة قد تكون من أصعب الوزارات وشخصها الأول قد يكون من أكثر الوزراء مسؤولية. كون الفرد السعيد أقل إصابة بالأمراض، وأكثر إنتاجياً في عمله وحياته الاجتماعية، بالإضافة إلى أن المجتمع السعيد مجتمع إيجابي تفاعلي يشارك في الحياة الاجتماعية والسياسية، ويحرص على ملء وقته بالأعمال الإنسانية الخيّرة مثل التطوع ومساندة المحتاج. كما أن الإنسان السعيد هو أقل تعلقاً بالكماليات المزيفة من السيارات الفارهة والمجوهرات الباذخة كونه شخصاً ممتلئاً ومرتوياً داخلياً بقيم السعادة الحقيقة. عدا عن ذلك، هو شخص مثابر يسعى «للمعالي» دوماً عبر علمه وعمله وعطائه الاجتماعي، ويطمح للوصول إلى مناصب حيوية يضيف لها قبل أن تضيف إليه، وسط مناخ سياسي واجتماعي صحي ومنفتح لكافة الفرص ومزدهر بمختلف الاحتمالات.
ومن محاسن الصدف وروائع القدر أن أبدأ حياتي المهنية في مكتب رئاسة مجلس الوزراء، الذي تديره معالي عهود الرومي المعينة كأول «وزيرة السعادة» في الحكومة الإماراتية، والتي أحسب أنها بحجم المسؤولية وبمستوى التكليف، حيث عرفت عهود بشكل مختصر وقابلتها على نحو عاجل مرات عديدة فمستني إيجابيتها وأسرتني ابتسامتها الدائمة، لكن إحدى أكثر اللحظات التي رسخت في مخيلتي عن شخصيتها وأخبرتني بالكثير عن رؤيتها نحو مستقبل بلادها والعالم، كانت في حفل مصغّر داخل المكتب وبحضور معالي وزير شؤون مجلس الوزراء محمد القرقاوي، بمناسبة اختيارها لعضوية مجلس ريادة الأعمال العالمي التابع للأمم المتحدة كأول امرأة عربية يتم تكليفها بهذه العضوية.
أثناء الحفل اعتلت المنصة بثقة وثبات القائد وألقت خطاباً حميماً عكس في تفاصيله روح عهود وعمق رسالتها الإنسانية وأسلوب قيادتها غير العادي، حيث لم تُعز في هذه المناسبة الاحتفالية الإنجاز لنفسها، بل هنأت على الملأ جميع أفراد المكتب، وأكدت بأنها لم تكن لتنجح دون نفوسهم الطيبة، وأرواحهم النقية التي تحيط بها كل صباح، في إشارة وامتنان مباشر لدور أفراد السفينة في نجاح قبطانها. وأضافت: «سعيدة لأنّ هذا الإنجاز سيقربني من رسالتي الحقيقية في الحياة .. وهي نشر السعادة والسلام والمحبة ليس في دولة الإمارات فحسب، بل في جميع أنحاء العالم» ما عكس خصال القائد العالمي، ذي الرؤية الواضحة، والرسالة النافذة التي لا تعبأ بالحدود الجغرافية أو الاعتبارات الدينية أو العرقية، بل تخاطب معانيها النبيلة البشرية جمعاء. فالعالم اليوم بأمسّ الحاجة إلى الأمل والبناء والتنمية. أكثر من حاجته للسلبية والتشاؤم والصراع .. فقد قال سمو الشيخ محمد بن راشد يوماً « كل شعب لديه طاقة، ولابد أن تصرف هذه الطاقة، فإما أن تصرفها في البناء والعمل، وتمنحهم التفاؤل والأمل. وإما تصرفها في المشاحنات والتوترات والحروب..»
يقال بأنه في المستقبل لن يكون هناك قادة نساء أو قادة رجال.. سيكون هناك قادة فقط.. وأقول في الإمارات ستخرج القيادة عن مسارها التقليدي في تولي زمام مهام تقليدية.. بل ستتجاوز ذلك بكثير.. وستتفاجأ بأنّ الحكومة لن تعين وزيراً للسعادة والتسامح وآخر دون الخامسة والعشرين لشؤون الشباب فحسب، بل ستبهرك بمناصب جديدة مبتكرة تلاحق قضايا إنسانية هامة لكنها مهملة في منعطفات السياسة.. واستعد، لأنك ستتعب وأنت تواكب أخبار الإمارات وإنجازاتها .. إذ ستسبقك وتبهر خيالك بعملها الصامت الدؤوب لخلق نقطة ضوء دافئة ساحرة وسط منطقة أتعبها الظلام وأنهكها الانتظار.