لبنى الخميس
كانت تتمتع بعينين جميلتين، وابتسامة ناعمة، تضيف لحضورها على تطبيق «سناب شات» جاذبية وقبولاً، إلى جانب شخصيتها المرحة، وأسلوبها العفوي؛ ما ساهم في رفع عدد متابعيها بوصفها إعلامية صاعدة بشكل مطّرد عبر الأسابيع، إلا أن إطلالتها كانت مشروطة في معظم الوقت بكميات لا بأس بها من الماكياج، الذي تزينه عدستان خضراوان لاصقتان. وفي إحدى المرات وهي تمارس بوحها المباشر أمام الشاشة اختفت عدستاها اللاصقتان من وسط عينيها، وعجزت عن إخراجهما، وسط حالة فزع وخوف انتابتها وهي تبحث عنهما بشغف أمام الكاميرا. وأخيراً تجاوبت العدستان مع نداءات البحث والتنقيب، وعادتا إلى وضعهما الطبيعي. وحينما استردت هدوءها من بعد الصدمة ألقت على الجمهور وابلاً من اللوم وجملة من الاتهامات؛ كونهم حسدوها على عينَيْها الجميلتَيْن، ولم يذكروا اسم الله على جاذبية مقلتَيْها، وسط تعزيزات متنوعة من صديقاتها اللاتي شجَّعنها على التوقف عن التصوير، والاختباء عن الناس حذراً وحيطة من أعينهم الحاسدة.
يصادف أن تلك الإعلامية الصاعدة هي إحدى صديقاتي اللاتي تطورت علاقتي بهن خلال فترة دراستي في كلية الشيخ محمد بن راشد للإعلام في دبي؛ ما دفعني إلى أن أكتب لها رسالة لم أعرف حينها هل كانت ستتقبلها مني أم أنها سترفضها، وتضع صداقتي الممتدة بها على المحك؟ قلت فيها باختصار: «صديقتي، اسمحي لي أن أعبّر عن اختلافي وعدم تأييدي لموقفك الأخير. العين حق، ولكن من الأولى قبل أن نلوم الآخرين أن نأخذ الحيطة والحذر، ونتحصن دينياً وطبياً. أولاً: الكثير من الأطباء يحذرون من العدسات اللاصقة، وضرر استعمالها بشكل مستمر. هل فكرتِ أن تستشيري طبيباً لماذا تتكرر معك هذه الحادثة؟ هل من الممكن أن جفاف عينيك في ظل عدم شربك المياه بشكل كافٍ - على حد قولك - قد يكون السبب؟ هل تساءلتِ هل تنسجم العدسات مع طبيعة الماكياج الذي ترتدينه؟ هل تفحصت القواعد الاحتياطية في حال وقوع مثل ذلك الأمر؟ أعتقد يا صديقتي أن هناك عشرات الأسباب التي قد تستدعي تكرار تلك الحادثة معك، قد يكون آخرها لوم جمهورك علناً. واسمحي لي أن أؤكد أن هذا الاتهام قد يسيء لشريحة كبيرة من جمهور يحبك ويتابعك ويقتدي بك.. فما أسهل أن نلقي اللوم على الآخرين قبل أنفسنا، ونسقط الغيبيات على ما يصيبنا، فالإعلام مليء بالوجوه الجميلة التي لو اتخذت هذا الفكر منهجاً لخلت الساحة من الفنانين، وانتصر الخوف من العين على يقين الإيمان وجمال الفن».
ووسط تساؤلي عن مدى تقبُّلها لرسالتي شاركت متابعيها بعد ساعات قليلة باعتذار علني لجمهورها عن اتهامها، مؤكدة أنه كان قراراً متسرعاً وأسلوباً مندفعاً. لا أنكر أن تجاوبها هذا كشف لي طيب معدنها، وسلامة سريرتها، ورزانة عقلها.
هذا الموقف دفعني إلى أن أتحدث عن أبرز المفاهيم الذهنية التي تعشعش داخل فكر جمع كبير من الناس، وهي الخوف من العين والحذر من الحسد وشروره. ولا شك أن الحسد أمر مذكور في القرآن الكريم متبوعاً بتذكير من شره، ولكن الكارثة الحقيقية حين تتحول حياة بعض الناس إلى جحيم مقيم بسبب توهمهم أنهم يعيشون داخل دائرة ضيقة، تحاصرها أعين حاسدة وقلوب متربصة.
فإن أجزل الله عليهم عطاء ونعماً من أي نوع فإنهم يكتمونه، ولا يصرحون به، بل إنهم قد ينكرونه خوفاً وحذراً من الحسد، وإن أثنيت عليهم ومدحت شيئاً يخصهم فإنهم يباغتونك حين يجبرونك على قول (ما شاء الله، ولا إله إلا الله)، ويشعرونك بأنك تجاوزت حدودك كثيراً إن لم تتبع ثناءك بذكر اسم الله، بل من الممكن أن يدرج اسمك في القائمة السوداء للحساد لديهم.
إلى متى ستظل هذه الفئة من الناس، التي تعتقد بأنها محور العالم، تعيش حالة طوارئ تحسباً لوقوع أي أذى مصدره عين ناقمة وحاسدة؟ وإلى متى سيبقى الآباء يضللون أبناءهم حين يزرعون فيهم فكرة أن جميع الناس أعداء متوقعون، قد يضمرون لك الحسد والغيرة، فيقتلون طفولتهم، ويغتالون فرحتهم حينما يحذرونهم من الإفصاح عن أي مشروع جميل قاموا أو سيقومون به؟
متى سنغرس في نفوس أبنائنا وأنفسنا قبلهم أننا «محسودون، وشر الناس منزلة من عاش بين الناس غير محسود»؟ أي أن تعيش محسوداً لعمل نافع وعظيم قمت به لخدمة دينك ووطنك وأمتك خير لك من أن تحيا خارج دائرة ذلك؛ لكونك عنصراً سلبياً ومملاً وغير منتج ومؤثر، لا يضيف لمحيطه سوى الإحباط والنقد.. فكما يقول المثل: «مجتمعنا ينشغل بالخوف من العين والحسد أكثر من الانشغال بشيء يستحق أن يحسد عليه حقاً»!