د.فوزية أبو خالد
أمامي صورة باسمة لجمع من المسلمين الأمريكيين أطفالا ورجالا ونساء متحجبات على الصفحة الأولى من عدد الرابع من فبراير لجريدة النيورك تايمز التي اشتركت في نسختها الورقية للتو بعد أن وجدت أن لاغنى لي في الغربة عن رائحة ورق الجرائد التي اعتدت أن افتتح بها ظهيرتي في برد وقيظ الرياض بعد عودتي من الجامعة.
وقد لفتت انتباهي الصورة قبل أن تستقر قهوة الصباح في رأسي وقبل أن أشرع عيوني لألحظ صورة أوباما في الصورة، ولم أكن لألحظ أنها صورة الرئيس الأمريكي حيث لا تظهر اللقطة إلا ظهره، لو لم أقرأ التعليق أسفل الصورة القائل:» الرئيس أوباما يسلم على عوائل مسلمة ويحييها في ردهة رحبة يوم الأربعاء بعد كلمة ألقاها في النادي الإسلامي لمسجد باللتيمور.
أما ما لفت انتباهي في الصورة حتى قبل أن أتناول الرشفة أو اللذعة الأولى من حروف المانشيتات العريضة فهو وجود هذه الوجوه المبتسمة التي تعلوها البهجة والزهو بهويتها الإسلامية على الصفحة الأولى من النييورك تايمز. فهي تعتبر صورة نادرة على خلاف المعتاد الذي قلما تظهر فيه صورة بهوية إسلامية في الإعلام الغربي عامة والأمريكي منه بطبيعة الحال إلا مسربلة بالمساءلة والشكوك والأخبار السوداوية. فمن صورة هي عكس لهذه الصورة في الإعلام الغربي والأمريكي المعتاد أي من صورة الإسلام والمسلمين الموسومة بالشك إن لم يكن الاتهام وبالتجهم إن لم يكن التوحش وبالتغييب، إن لم يكن الإلغاء تجرؤ البير كامو في رواية الغريب أن يكتب رواية كاملة تدور أحداثها على الأرض الجزائرية يوم كانت مستعمرة فرنسية دون أن تظهر فيه رفة هدب او إيماءة يد لأي إنسان من الجزائر.
وبالمقابل المقارن فإنه من محاولة مقاومة تلك الصورة المرسومة إما بحبر سري لأتبين ملامحها لشدة المبالغة في إعطائها ذلك اللون الضبابي الباهت الطامس لسماتها الإنسانية، أو بحبر شديد السواد يكفي لإسقاط كل العداوات العنصرية المزمنة على سحنة المسلمين في الإعلام الغربي، خرج كتاب إدوارد سعيد عام 81م التغطية الإعلامية الغربية للإسلام أو المسلمون في عيون الغرب.
والملفت أيضا أن الكلام المصاحب للصورة مقرون بكلمة أوباما قد جاء في سياق تضامني مع موقف إدوارد سعيد النقدي، وإن تأخر عنه ما يقارب 35 عاما في محاولة تفكيك تلك الصورة العدائية التي ترسم فيها الآلة الإعلامية الإسلام والمسلمين كأغيار بشعين وأشرار، وإن كانوا مواطنين على قدم المساواة مثلهم مثل غيرهم من أصول الأعراق المتنوعة بالمجتمع الأمريكي.
وإذا كان إدوارد سعيدا قبل الألفية بربع قرن قد انتقد دون هوادة تلك الفوقية العدوانية التي كان يجري فيها التعامل مع المسلمين كأغيار موضحا في مقارنة جارحة الكيفية التي تحظى فيها الديانة المسيحية والدينية اليهودية بالاحترام في المجتمع الأمريكي بما فيها احترام حرماتها وطقوسها، وبالطبع المنتمين لأي منهما, بينما يحرم على الإسلام والمنتمين إليه من مواطنين أمريكيين وسواهم من المساواة بمثل هذا الإحترام, فما بالك بالحاجة لمثل هذه الوقفة النقدية اليوم، و في هذه اللحظة التي جرى فيها توظيف الإسلام توظيفا سياسيا ضاريا في حروب الإرهاب والإرهاب المضاد.
وإذا كان إدوارد سعيد قد رأي أن هناك مرجعية سياسية استعمارية واستحواذية خلف تلك الصورة الإعلامية للإسلام في الغرب، فإنه قد رأي أن تصحيح الخطاب الإعلامي غير ممكن ولا يكون إلا ضربا من الزخرفة الخارجية في ظل استمرار علاقات الإلحاق والاستحواذ على المستويين أي في الداخل الأمريكي وفي علاقة الخارج الأمريكي. غير أن رقصة التانجو تحتاج جهد طرفين لتنجح أي على الغرب وأمريكا من ناحية وعلى المسلمين كمواطنين أمريكين في الداخل وعلى المسلمين كمجتمعات ودول في الخارج من الناحية الأخرى. وهذا ليس من باب ما سماه إدوارد سعيد أيضا, بلوم الضحية، ولكنه من باب طبيعة العلاقة الجدلية بين القهر والمقاومة.. وربما لهذا حرص أوباما ليس فقط على خلفيته الرئاسية بل وأيضا على خلفيته الاجتماعية والقانونية على القول إن المسلمين كمواطنين أمريكيين يسهمون في الدخل والأمن القومي، وكما أنه تبدل موقع السود في الإعلام حيث لم تكن قبل الثمانينات تظهر عائلة ملونة واحدة ولاطبيب أو محامي على شاشة التلفزيون الأمريكي فلا بد أن تتبدل صورة المسلمين الأمريكين في الإعلام باعتبارهم جزءاً مما يميز المجتمع الأمريكي من تنوع.
وأيضا، يلفت النظر إن لم يكن يثير التساؤل عن المصداقية قوله في هذا السياق أن القول بأن أمريكا في حرب مع الاسلام يشرعن لداعش ويشرعن الإرهاب ويعرضنا جميعا للخطر.
على أنه إذا كان هناك من قرأ ذلك التحرك المتأخر للرئيس الأمريكي الذي لم يأت إلا في نهاية ولايته كنوع من المناورة الانتخابية التضامنية مع الحزب الديموقراطي أي الحزب الذي ينتمي إليه الرئيس لمنازلة ذلك الموقف العنصري المتحجر لدونالد ترامب في دعوته التعصبية المختلة لمنع أي مسلم من دخول أمريكا, فإن هناك من رأى فيه نوعاً من محاولة رأب التصدع في النسيج الاجتماعي الأمريكي ونوعا من رد الاعتبار ليس للمواطنين الأمريكيين المسلمين بل لقيم المجتمع الأمريكي في الحرية والمساواة، والتي بدونها لم يكن هو نفسه ليصل للبيت الأبيض.
وإذا كان هناك من حاول تبرير تأخر أوباما في هذا التحرك الذي لم يأت إلا في الرمق الأخير قبيل نهاية ولايته,بمقارنته بتحرك مشابه في نهاية ولاية جورج واشنطن الرئاسية وإيزنهاور في محاولة كل منهما التصدي بقوة لأي من أسباب الشقة في صف الولايات المتحدة حسب مقتضيات مرحلة كل منهما، فإن ما أرى أنه يصعب تركه دون تساؤل هو كيف أن وقت مغادرته أزف دون أن يبدو في الأفق ولو على مستوى المحاولة عمل جدي رغم المطالبة والضغوط الداخلية والخارجية ووعوده شخصيا بإقفال معتقل جوانتنامو وبإبطال مفعول تلك القوانين المجحفة التي جرى تشريعها تحت ضغط المحافظين الجدد، والتي سمحت ولازالت تسمح بتشدد بالغ في التعامل مع أي كان تحت مجرد طائلة الشبهة، خاصة والرئيس لا يخفى عليه وبحسب مطالبات مواطنيه بأن هذا التشدد غالبا مايأتي مرتبطا بالهوية المرجعية تحديدا، كما أنه يفرض نفسه على المواطنين الأمريكيين و على المقيمين أيضا. فباسم البترويت أكت واسم المليتري كومشن آكت تباح أفعال جرى إعفاؤها من المساءلة الدستورية لأنها تناقض الدستور الأمريكي .وتهوية أمريكا من رائحة الخوف كان أحد التحديات التي لا تعالجها الصور وحدها، وإن جاءت تحمل جرأة الخروج على الصور النمطية.
فكما قد يهم أوباما أن يأخذ صورة مع المسلمين قبل أن يخرج من البيت الأبيض لا بد أنه يهم مواطنوه المسلمون أن تكون الصورة ليست لمجرد التذكار.