أ.د. يوسف بن أحمد الرميح
ثالثاً: ساحة افتراضية للتدريب
يستخدم «يوتيوب» بصورة أساسية من جانب الجماعات الإرهابية بهدف التدريب، فالوظيفة الأساسية للموقع هي استضافة الفيديوهات التي يقوم المشتركون بتحميلها على الموقع (Upload) وبعد ذلك تصبح متاحة للرؤية من قبل الجميع. وعلى الرغم من وجود عدد من القيود على الفيديوهات التي يمكن وضعها على الموقع، فإن نظام المراقبة في الموقع يتم بعد وضع الفيديو على الموقع، وهو ما يعني أنه لن يتم حذف الفيديو، إلا إذا قام المشاهدون على الموقع بالإبلاغ عنه، ثم تتم بعد ذلك مراجعته وإزالته من قبل القائمين على الموقع، ما يجعل هناك إمكانية لتوظيفه من قبل الجماعات الإرهابية، إذ يمكن تحميل فيديو لكيفية تصنيع قنبلة، وتتم مشاهدته مئات المرات قبل أن يتم حذفه من قبل إدارة الموقع.
وعلى سبيل المثال تستخدم الجماعات المسلحة «فيسبوك» لنشر رسائلها، كما تستخدم الجماعات المسلحة «يوتيوب» من أجل شرح كيفية القيام بهجمات أو استخدام الأسلحة مثل الكلاشينكوف.
رابعاً: الحصول على الدعم المادي والمعنوي
استخدمت الجماعات الإرهابية مواقع التواصل الاجتماعي لتسهيل التحويلات الماليّة فيما بينها، بجانب الحصول على التبرعات المالية، في ظل سهولة استخدام تلك المواقع لتحويل التبرعات والدعم المالي، مع عدم إمكانية التحقق من هوية متلقى تلك التبرعات في بعض الأحيان.
وقد اعتمد التنظيم على بعض الفتاوى التي يتم بثها من بعض الدعاة المغرر بهم على «تويتر» للتضحية بالأموال والأنفس، خاصة منذ أن انتقلت القاعدة إلى سوريا، فكانت هناك بعض التبرعات لحسابات مجهولة تحت دعاوى مساعدة الشعب السوري تصل إلى التنظيم، الأمر الذي حدا بالسلطات بعدة دول إلى التحذير من التبرع للجهات غير المصرح بها رسمياً من الدولة.
وبجانب الدعم المادي، تحصل تلك الجماعات على الدعم المعنوي أيضاً من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، فقد شهدت بعض الصفحات الإلكترونية ما أسماه البعض «البيعة الافتراضية» لزعيم تنظيم داعش من جانب آلاف السلفيين الجهاديين، وجاء ذلك على أثر إعلان الناطق باسم التنظيم عن تأسيس «دولة الخلافة»، في المناطق التي يوجد فيها التنظيم في العراق وسوريا، وظهرت صفحات على شبكات التواصل الاجتماعي من بينها «بيعة أمير المؤمنين أبوبكر البغدادي»، و«إعلان الولاء الشرعي لأمير المؤمنين أبوبكر البغدادي» وغيرها، وهو الأمر الذي ساهم في انتشار التنظيم وتوسيع مؤيديه عبر العالم الافتراضي، وبالتالي ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كبير في تقديم الدعم للجماعات المسلحة والمساهمة في اتساع تأثيرها ووجودها. وللأسف فلقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي حاليا كأكسجين الحياة للدعاية بالنسبة لـ«داعش»، إذ إنها تخدم جدول الأعمال الخاص به بشكل جيد، خاصة فيما يتعلق بتجنيد الأفراد وتلقين الشباب دروسه بشكل سريع.
وقد أصبح واضحاً مؤخرا أن تنظيم داعش نجح في نشر جيش من المتطرفين التكفيريين الراديكاليين، فالتنظيم ماهر بشكل متميز في استخدام وسائل الإعلام الاجتماعية كأداة لتجنيد المقاتلين الأجانب وتخويف القوى المتنافسة.
ولقد أصبح تأثير داعش بعيد المدى، كما لم يعد جمهوره يقتصر على المسلمين وحدهم، فأشرطة الفيديو الخاصة بها يتم بثها على شاشات التلفزيون الغربي، بالإضافة إلى حساباته على إنستاجرام، وفيسبوك وتويتر. ولم يعد بالإمكان تجاهل فكر وسلوك داعش نتيجة للبيئة المترابطة عالميا، حيث إن استخدامهم لوسائل الإعلام الاجتماعي كوسيلة لنشر الرسائل الراديكالية والهجمات العنيفة ليس شيئا جديدا في حد ذاته، لكن الطريقة التي تبناها «داعش›› في استعمال وسائل الإعلام كأداة لتجنيد المقاتلين الأجانب والتسبب في خوف وهلع عالمي هو الجديد الذي أتقنه هذا التنظيم, والذي أسس جيشا من الكتاب والمدوّنين وغيرهم من الناس تركيزهم على رصد وسائل الإعلام الاجتماعي، ليس فقط بسبب إسهامها في نشر أشرطة الفيديو المنتجة مهنيا باحترافية أقرب للخيال، والتي تصوّر عمليات قطع الرؤوس، بل من أجل استخدام هذه المحتويات بطريقة جذابة من أجل التواصل مع المؤيدين والمريدين.
ويبرز تويتر من بين بقية المنابر الإعلامية الاجتماعية لأنه استُخدم كثيرا من قبل داعش, حتى قبل أن يبرز التنظيملى الساحة.
فقد كان تويتر يُستخدم أساسا كمصدر ثانوي للاتصال ، لكن داعش في الوقت الحاضر، يحاول استخدام تويتر كأداة للتجنيد, خاصة أن ثمار العولمة يجب أن تكون موضع تقدير كبير من قبل هؤلاء الإرهابيين، خاصة طريقتهم في التواصل، إذ لم تعد تقتصر على منطقة جغرافية محددة، فالتكنولوجيا الحديثة تسمح بالتوعية العالمية والفورية، إذ لا يمكن للمرء أن يجادل بأن وسائل الإعلام الاجتماعية تضيف الزيت على نار الإرهاب والمشجعين له.
اعتمدت التنظيمات «الارهابية» على الخطاب الإعلامي منذ نشأتها، اتجهت مؤخرا الى اعتلاء المنابر الاعلامية «الجهادية» على الانترنت, فالإرهابيون الجدد الذين ظهروا اكثر في خلافة ابو بكر البغدادي التي تصدرت المواقع «الجهادية» ووسائل التواصل الاجتماعي اكثر في اعقاب السجال الحاد ما بين القاعدة و«داعش»، يتصدرون تويتر والفيس بوك واستخدام تطبيقات «الهاشتاكك» وغوغل.
ولقد كان الظهور الأول للجهاز الإعلامي لهذا التنظيم عام 2012م بصورة واضحة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يشار إلى أن «داعش» قام على أنقاض تنظيم التوحيد والجهاد بعد مقتل أبي مصعب الزرقاوي عام 2006م, وصعد عواد البدري المكنّى بالبغدادي عام 2010م.
ويعتمد تنظيم «داعش» كثيرا على الإعلام الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي الحديثة كاليوتيوب للتويتر للفيس بوك للإنستاجرام للكيك وغيرها ويسميها «بالجهاد الاعلامي» في معركته مثل بقية انواع «الجهاد» المتعددة، ويكثّف حملاته الإعلامية، التي فاقت تنظيم القاعدة وغيرها من التنظيمات بكفاءة الاعلام الإلكتروني وسرعة ايصال الرسائل ونوعية خطابه الاعلامي باستخدام التقنية الحديثة.
إن امتلاك تنظيم «داعش» الامكانات المالية باعتباره واحداً من أغنى التنظيمات الارهابية إذ يمتلك بالإضافة الى خبرات فنية عملت على توسعه افقيا وعموديا وانضمام اعداد من المقاتلين الاجانب له وارتباطاته المشبوهة مع مصادر التمويل والدعم والذي مكنه من الاستفادة واستقطاب مقاتلين جدد وتضليل الرأي العام، حتى تحول ذلك الى «سياحة قتالية» تشمل الزواج وسفرات سياحية وغيرها من النشاطات.
وعلى الرغم من وحشية وشراسة التنظيم وصرامته، فهو يلبّي حاجات مقاتليه بشرط الطاعة العمياء للتنظيم وقياداته.
ولقد كان التنظيم يستخدم موقع الفرقان اضافة الى شبكة التواصل الاجتماعي، لكن اهتمام الاعلام بنشاطات وتفاصيل هذا التنظيم وسع كثيرا من انتشاره.
وخلال السنتين الاخيرتين حقق التنظيم قفزات اعلامية بوسائل التواصل الاجتماعي فاقت التوقعات وأذهلت المحللين من خلال سجاله مع تنظيم القاعدة بسبب خروج جبهة النصرة من تنظيم البغدادي ومبايعة الظواهري في فبراير 2014م.
ويمتلك التنظيم حسابات تويتر مركزية لنشر الرسائل إضافة إلى حسابات محلية في كل منطقة يوجد فيها عناصر التنظيم وتقوم كل منطقة من خلالها بنشر أخبارها المحلية.
وهذا ما يمكن التنظيم من تنفيذ عولمة «الجهاد» عن بعد وإيصال خطابه الى أوروبا والغرب عموما، الذي أصبح شبابه يحتل نسبة لا بأس بها داخل التنظيم.
هذا النوع من الخطاب مكّن داعش من رفع راياته السوداء ومنشوراته في شوارع أوروبا علناً.
وكشفت التحقيقات عن قيام مجموعات دعوية من انصار التنظيم تنشط على شكل خلايا وجماعات منظمة من داخل أوروبا وهي تستخدم التقنية والدعاية الاوروبية لكسب الشباب والحصول على الاهتمام الاعلامي.
من المهم معرفة أن عمل «داعش» لا يقتصر على نشر الصور في اتجاه واحد بل يعمل على فهم حاجات جمهوره ومعرفة ردود أفعالهم على شكل استبيانات علمية، أي أن خطابه الاعلامي يعتمد على التفاعل مع الجمهور المتلقي.
ويتمثل البعد الإعلامي للتنظيم لاستقطاب مقاتلين جدد الى التنظيم من خلال استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على الانترنت والعلاقات الاجتماعية داخل المجتمعات.
ولا يزال خطاب التنظيم موجهاً الى الجيل الرابع أو الخامس من المهاجرين المسلمين الشباب ويتمتع بسهولة ومرونة الحركة مع التقنية والمعلومات والتطبيقات الفنية على أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية، باستغلال المقاتلين الاجانب الموجودين داخل التنظيم أكثر من المقاتلين المحليين، وهذا ما كشفته اعترافات المنشقين والمعتقلين من التنظيم بأن التنظيم لا يدخل الأجانب في القتال الميداني بقدر ما يستفيد منهم في الخطوط الخلفية والدعم اللوجستي وبخاصة في الاعلام والدعاية ووسائل التواصل الاجتماعي الحديثة التي عرف كيف يستغلها لأقصى حد لمصلحته. ولقد كشفت استخبارات دول الاتحاد الأوروبي عن وجود شبكات تواصل اجتماعي متخصصة أو موجهة لاستهداف شريحة معيّنة كالنساء، تكون معنية باستهداف تجنيد النساء من أوروبا كي يلتحقن بصفوف التنظيم في سوريا والعراق وليبيا.
وما يهدف اليه اعلام «داعش» هو الاستقطاب، أي استقطاب الشباب لغرض الالتحاق بالتنظيم او ان يكونوا من انصار التنظيم في دولهم، خصوصا في الغرب وغالبيتهم من الشباب ما بين 18 و26 سنة, وذلك لإدارة نشاطاته الإعلامية الالكترونية لتظهر للمتابع بإنتاج ذات مواصفات وتقنية مذهلة.
وكذلك يركز التنظيم على إظهار وحشيته والتمرد والسطوة التي تعتبر في بعض الأحيان حاجات عند بعض الشباب خاصة الذين يعانون من الشعور بالتهميش سواء كان حقيقيا او وهميا، حيث يجدون في التنظيم وسيلة للانتقام والثأر. الوحشية هي أبرز سمات هذه الجماعة التي فاقت القاعدة وتنظيمات اخرى بوحشيتها الدموية.
ويستهدف «داعش» في إعلامه فئة الشباب في أعمار مبكرة، وهذا يعني انه يستخدم التقنية الحديثة في الإعلام أبرزها تويتر والفيس بوك بعد أن كان تنظيم القاعدة يعتمد على وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والأقراص المدمجة.
العبارات التي يستخدمها التنظيم في تويتر بشكل مختصر كانت تثير اعجاب المشتركين وتحصل على جمهور أوسع وكثيرا ما تناقلتها وسائل الإعلام الأخرى.
ومن المفارقات ان يظهرالتنظيم الرومانسية على شبكته، برغم وحشيته وذلك من خلال التحاق بعض الفتيات ومنهن القاصرات للقتال مع داعش بعد أن تورطن في علاقات عاطفية على الشبكة، البعض منهن ذكرن قصة التحاقهن بالتنظيم وكيف عاشت قصة رومانسية مع مقاتلي داعش، مما استقطب اعداد جديدة منهن على شبكة التواصل الاجتماعي.
ومن المهم معرفة أن «داعش» يختلف عن تنظيم القاعدة والتنظيمات الأخرى بأنه لا ينتظر أن يأتيه المقاتلون بقدر ما يتحرك التنظيم باتجاه الحصول على مقاتلين ذوي خبرات معيّنة وخاصة منهم مهندسو المتفجرات والإعلام وخبراء التقنية خاصة بمجالات استخدام وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة مثلما يستعين بضباط أركان في عملياته العسكرية الميدانية.
ويستخدم التنظيم وسائل الاتصال الحديثة لإثارة زوبعة إعلامية بين الشباب والجمهور إما من خلال تعليقات تويتر أو الشبكة العنكبوتية، فأصدر التنظيم مجلة عالية الحرفية من حيث التقنيات الحديثة والإخراج وتوظيف الصور وجودتها، أطلق عليها اسم «دابق» وصدرت باللغتين العربية والإنجليزية، وتوزع نسخها المطبوعة، التي صدرت مؤخراً نسختها الرابعة، في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش في سوريا والعراق وليبيا، فيما أرسلت نسخ منها عبر الإيميلات، وأعاد نشرها عدد من المواقع الداعم للتنظيم.
وأصدر «داعش» سلسلة من الأفلام أشبه بالوثائقية، تصوّر عمليات التنظيم أطلقت عليها سلسلة «صليل السيوف»، آخرها الجزء الرابع الذي بلغت مدته ساعة كاملة، يصوّر عمليات التنظيم بجودة عالية تعكس حرفية في التصوير، واستخدام أحدث أجيال الكاميرات، كما أنتج داعش لعبة إلكترونية قتالية تحاكي استراتيجية التنظيم في عمليات القتال، ومشاهد كرتونية تحاكي عملياته التي صدّرها في فيلمه «صليل الصوارم».
من الواضح أن هذا التنظيم ذكي جداً، وهو يحاول الاستفادة واستثمار كل ما هو متاح لترويج صورته، التي بدأت تلبّي حاجات الكثير من الشباب الحيارى الذين يرفضون العيش بشكل طبيعي في مجتمعاتهم، وهي سياسة إعلامية ذكية قائمة على الاستقطاب, لكن رغم ذلك يتوقع أن يشهد التنظيم انشقاقات وتراجعاً تنظيمياً في القريب العاجل.
ولقد أضحت الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) الساحة المتاحة الأكبر لمعتنقي الفكر التكفيري والتفجيري لاجتذاب أكبر عدد من الشباب من خلال الشات وغرف البالتوك أو بنشر أفكارهم على المنتديات أو صفحاتهم على الفيس بوك أو بتغريداتهم, أو من خلال المواقع التي تعبر عن الجماعات التي تعتنق هذه الأفكار أو القريبة منها.
ولقد تولدت قناعة لدى بعض المؤمنين بأفكار التنظيمات المتطرفة والتكفيرية والإرهابية أن شبكة الإنترنت تعد مجالاً خصباً لممارسة ما أطلقوا عليه الجهاد الإلكتروني، ودفعهم ذلك لتدمير المواقع المخالفة لنهجهم ومحاولة نشر فكر التنظيم وإقناع الشباب به, وبالتالي أصبحت الشبكة هي البديل لمن لم يتمكن من الإرهاب كسلوك.
هذا من جهة, ومن جهة أخرى فهو تصوير وإظهار ممارسي الإرهاب الرقمي بمظهر البطولة والقدرة والقوة والتي جعلت منهم نجوماً يسعى الكثير من المراهقين لتقليدهم والإفادة من تجاربهم الإرهابية المتطرفة والتكفيرية.
هل يصدق أن أحد المواقع الإرهابية الكبيرة أسس ما أسماه جامعة الجهاد الإلكترونية فهي تحتضن عدة كليات منها كلية الجهاد الإلكتروني وكلية جهاد النفس وكلية تقنية العبوات الناسفة والسيارات المفخخة وكلية الجهاد الإعلامي..!!
لابد لنا من أن نعترف أننا أمام الإرهاب الإلكتروني بأننا أمام مجتمع افتراضي تحكمه ديمقراطية وحرية وفوضى بلا حدود ولا قيود.
ولا توجد في الغالب مساءلة إزاء وجود محتويات غير قانونية أو غير أخلاقية فضلاً عن إمكانات هائلة في التواصل الصوتي والمرئي والمكتوب ذي طبيعة سرية وفورية وقليلة التكلفة.
كل هذه الأمور تساعد التنظيم الإرهابي على بناء علاقات بين أعضائه في الفضاء الخارجي بعيداً عن المراقبة الأمنية, ويستفيد من ذلك من أعداد هائلة من الزوار من مختلف الجنسيات واللغات مما يمكن للتنظيم أن يجند بعضهم وأن يكسب تعاطف بعضهم الآخر.
وتقوم العلاقات بين الأفراد في التنظيم الإرهابي الإلكتروني على العلاقات على النمط الشبكي الأفقي الذي يتساوى أفراده في الحقوق والواجبات فلا يملك أحدهم السلطة على الآخر فهو مجتمع بلا قوانين ملزمة لسلوك الأفراد ويستطيعون الدخول والخروج من هذه الشبكة متى ما يشاؤون.
العلاقات داخل التنظيم الإرهابي الإلكتروني قائمة على الهيكل الأفقي، وعلاقاتها قائمة على مبدأ المرونة والتنسيق والدعم والتخطيط الاستراتيجي والفكري دون إملاء للقرارات التكتيكية. وهذا المنطق يجعلها أكثر قدرة على امتصاص الضربات الأمنية.
فالتنظيمات ذات البناء الهرمي الصارم تصاب بالتصدع بعد كل ضربة وقد تنهار نهائياً، بينما تمتاز المنظمات غير الهرمية «العنقودية» بالقدرة على امتصاص الضربة وعزلها والتعافي من آثارها بسرعة لأن العلاقات داخل التنظيم جانبية (أفقية) وليست رأسية (هرمية).
ولذلك نرى تنظيماً إرهابياً مثل القاعدة او داعش مثلاً يتبنى معادلة التوجيه الاستراتيجي والاستقلال التكتيكي وترجيح التنسيق الأفقي على الهيمنة العمودية.
فحرص التنظيمان على وضع السياج الفكري المتطرف والتكفيري في أذهان الأعضاء، لكن التنظيمين سمحا لهم بقدركبير من الاستقلالية في التكتيك والأمور العملياتية، فهذه التنظيمات لا تمتلك في الحقيقة أوامر تنزل من الأعلى للأسفل، ولكن العمليات تتفق مع الخط العام للتنظيم وباستقلالية تامة، ما عدا الاسم والفكر فيكونان للتنظيم الأم.
وكعينة لإرهابيي الإنترنت نأخذ مثالاً واحداً لشاب في الثانية والعشرين من العمر من أصل مغربي يعيش في لندن اسمه يونس واسمه في الإنترنت (إرهابي 007)، وقبض عليه في أكتوبر 2005م. ويونس هذا لم يطلق طلقة واحدة في حياته، ولكنه وبكل تأكيد أكثر خطراً من عشرات الإرهابيين, حيث لعب هذا الشاب أدواراً أساسية ومحورية في إعادة تنظيم القاعدة بعد سقوط نظام طالبان.
كان يونس يعمل مع اثنين من المتعاملين معه، ومع أنهم لم يسبق لهم الالتقاء وجهاً لوجه مطلقاً فإن جميع الاتصالات واللقاءات كانت عبر الشبكة العنكبوتية.
لقد كانت هذه الخلية تدير شبكة لبطاقات الاعتماد المزيفة بقيمة بلغت 8.1 مليون جنيه إسترليني، وأنفقت هذه الأموال على شراء معدات لتنظيمات إرهابية وتصميم مواقع تكفيرية متطرفة على الشبكة الإلكترونية.
كما تبين أن لهذه الخلية خاصة (إرهابي 007) ارتباط بالتخطيط لتفجير مواقع عسكرية ومدنية في واشنطن ولندن وله علاقة بخلية من الأطباء التي حاولت تفجير مطار غلاسكو.
وعثر بجهاز (إرهابي 007) على رسالة تقول (نحن 45 طبيباً مصممون على نقل الحركة إلى داخل أمريكا الكافرة)، كما وجد في حاسبه كذلك على مخطط لضرب قاعدة بحرية أمريكية في فلوريدا.
وهذه عينة فقط لإرهابيي الإنترنت ومدى فاعليتهم وخطرهم على المجتمع والأمن ككل.
ومن هنا فهنالك عدد من الاستراتيجيات التي يجب فعلاً تطبيقها في مجال الإنترنت لمحاولة تطويق هذا المد الإرهابي الإلكتروني الذي وللأسف الشديد بدأ يطوقنا جميعاً.
ولعل أول هذه الاستراتيجيات هي سن قوانين فعالة وصارمة للتعامل مع الجرائم والإرهاب الإلكتروني وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
وهذا ما حدث فعلاً في المملكة العربية السعودية التي صدر قرار مجلس الوزراء الموقر بعقاب يصل إلى السجن لحد عشر سنوات وغرامة تصل لخمسة ملايين ريال.
ولكن وللأسف الشديد المملكة هي البلد العربي الوحيد الذي سن قوانين لمكافحة الجرائم والإرهاب الإلكتروني، والمصيبة هي أن الإرهابي قد يكون في أي بلد في العالم، فالشبكة العنكبوتية أو الإنترنت يستطيع وكأنه داخل الحي أو المصنع أو القاعدة العسكرية أو غيرها لأن يدمر ويفسد وينشر الفزع والخوف.
ولقد سبقت المملكة في تطبيق هذا النظام عدد من الدول المتقدمة لعل منها السويد التي كانت أول دولة تسن قوانين لمثل هذه الجرائم منذ عام 1973م، وبعدها الولايات المتحدة عام 1985م، وفي العام نفسه سنت كل من كندا والدنمرك قوانين مشابهة ولحقتهما بريطانيا في عام 1986م، وأخيراً فرنسا في عام 1988م.
وما زالت عدد من الدول تدرس هذه الجرائم، ومن المتوقع أن تصدر قوانين صارمة بهذا الأمر مثل هولندا واليابان. وهنا نحتاج فعلاً لمكافحة الإرهاب الإلكتروني إلى تعاون دولي فعال واضح وقوي لهذا الغرض تقوم به جميع دول العالم بلا استثناء.
الشباب هم الشريحة الملائمة للتجنيد، ويبدأ التجنيد بغرس الأفكار التي تستغرق وقتاً متفاوتاً يعتمد على ما توفره وسيلة نقل المعلومات من مواد سمعية وبصرية، ثم بعدها تبدأ مرحلة تبادل الحوارات من خلال غرف الدردشة التي تتيح للمدبركشف شخصية من يتحاور معه ومدى إمكانية اختياره وتجنيده.
وخطر ذلك أنه يتم بسرعة شديدة وبتكلفة زهيدة. وأخطر أنواع الشباب الذين تحرص عليهم المنظمات والخلايا الإرهابية -كما ورد في بعض الدراسات- هو الشاب المتفوق ولكنه المنطوي على نفسه حيث يحاول الهرب من المجتمع لأن لديه عدم رضا عن كل شيء، ولذلك فيمكن اجتذابه بسهولة ويكون لديه استعداد نفسي لتنفيذ ما يُطلب منه.
ومن الضروري والمهم تجريم ما تفعله المنظمات الإرهابية بجميع أعمالها التخريبية والتجسسية والحربية وتشديد العقوبات على من فعلها أو دعمها.
كذلك من الحيوي قيام مزودي خدمة الإنترنت بالإبلاغ عن النشاط الإرهابي الملموس إن شعر بأنه يتضمن التهديد أو الإصابة الجسدية الخطيرة لأي شخص أو مؤسسة.
وكذلك استخدام الأجهزة الأمنية التي تفيد في عمليات التشويش أو التعطيل لأجهزة الحاسب الآلي لمواجهة أعمال القصف الإلكتروني.
وكذا اعتماد سياسيات قوية لدى الشركات والبنوك وغيرها وضرورة تنفيذها من قبل العاملين فيها، كاستخدام جدر الحماية، عدم تنزيل ملفات الارتباط من أشخاص مجهولة، استخدام برامج حماية قوية.
أيضا نشر التوعية بأضرار هذه الأعمال والنتائج المترتبة على استخدامها وتجريم مستخدميها.
ومن الاستراتيجيات أيضاً أن هذه المواقع الإرهابية يجب أن تكون مصدر معلومات كبيرة للأجهزة الأمنية من حيث علاقات الإرهابيين والفكر الإرهابي والخطط الإرهابية ودراسة البيانات الصادرة من أرباب الإرهاب.
وهنا نحن نستفيد من خلال سلاح الإرهابيين انفسهم لندمرهم به أو على الأقل لندرس خططهم واستراتيجياتهم حتى تتمكن الأجهزة الأمنية من أن تقف مع الإرهاب في المستوى الفكري نفسه واللوجستي إن لم تتفوق عليهم بواسطة استخدام أسلحتهم ومواقعهم.
أتمنى أن تكون هذه المواقع الإرهابية مصدر معلومة أمنية ولو فقط للجهات الأمنية للاستفادة منها وحربها من الداخل، ولا مانع - في رأيي كمتخصص في مكافحة الإرهاب - من إدخال عناصر أمنية للكتابة لهذه المواقع وإفساد الخطط أو حتى لو وصل الأمر لتدمير المواقع، أو على الأقل حتى لا يثق من يدخل هذه المواقع بالعاملين فيها فلا يدري هل هم أهل فكر أم جهات أخرى.
وهنا سوف تفقد هذه المواقع مصداقيتها وبريقها ولمعانها وحيويتها وتصبح بدلاً من أن تخترق هي المواقع الرسمية تصبح هذه المواقع نفسها مخترقة من قبل بعض الشباب الموثوق بهم دينياً ووطنياً وفكرياً للدخول والمحاورة وتشتيت جهود أهل الفكر الضال والإرهاب، وإدخال عناصر لهذه المواقع يفقدها الثقة والقوة ويجعلها متأرجحة مشكوكاً في أمرها وفي سريتها وفي ولائها لفكر التنظيم الضال ويجعل من الدخول لها مخاطرة ومجازفة غير محسوبة العواقب.
أيضاً من الاستراتيجيات أن نهتم بالتمويل الإلكتروني، فعدد كبير من المواقع الإلكترونية تقدم دعايات وإعلانات وخدمات وتقبض أموالاً طائلة في مقابل ذلك، وقد يكون الموقع بسيطا عادياً لا شائبة حوله ولكنه واجهة لخلية إرهابية.
ودلت بعض الدراسات أن بعض هذه المواقع يصل دخلها إلى ملايين الريالات، وهذه المواقع «العادية» تبهر المتصفح بالإعلانات المصممة تصميماً أقرب للخيال العلمي، وهي بذلك تربح الملايين من الريالات من هذه الدعايات والإعلانات والخدمات المقدمة.
وللأسف الشديد لا يعرف أين تذهب هذه الأموال ولا يدري هل هناك جهات محاسبية أو رقابية تشرف على هذه المواقع مالياً على الأقل، وهذا يجب إذا لم يكن موجوداً فيجب أن يفعَّل حالاً فالأمر لا يحتمل أي تأخير.
كذلك يجب ألا نغفل العوامل التي قد تساعد أو تؤثر على بعض الشباب، فالشباب هم المناخ الخصب لزرع المفاهيم التكفيرية، تساعدهم في ذلك بعض العوامل مثل البطالة والفقر، فيجب أن نوجد برامج فاعلة لمساعدة الشباب بالأعمال وبالمال لنقضي على أحد أهم العوامل المساعدة على الدخول والتأثر بتلك المواقع التكفيرية ألا وهو وقت الفراغ.
كذلك من الاستراتيجيات الفعالة التنسيق مع محركات البحث أمثال جوجل، وياهو، ويوتيوب، ووندوز لايف، ومكتوب، والفيس بوك، وغيرها لمنع دخول الإرهابيين لهذه المواقع وعدم استخدام مواقعهم كوسيلة نشر للفكر الإرهابي. والحذر من أن تكون هذه المواقع حامية وحاملة للإرهاب.
وهذا بلا شك يتطلب تعاوناً دولياً وإقليمياً ومحاصرة حقيقية للفكر الإرهابي، حيث إن هذا الفكر الخبيث سريع التشكل سريع الالتفاف وسريع التخفي ويغير جلده كالأفعى القاتلة بكل حذر، وهذا يوجب أن تلاحق هذه المواقع والمحركات كل دخيل إرهابي للبحث والتدمير عاجلاً، حيث إن الفكر الإرهابي داخل الإنترنت هو بالضبط مثل الخلية السرطانية إذا أُهملت لبعض الوقت فستتكاثر ويصعب علاجها حتى تكون قاتلة ومدمرة.
من الاستراتيجيات كذلك محاولة إنشاء هيئة وطنية تهتم بمكافحة الإرهاب والجرائم المرتبطة بشبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعية تابعة لوزارة الداخلية أو مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية. هذه الهيئة تعطى صلاحيات واسعة لملاحقة هذه المواقع المشبوهة وملاحقة المشبوهين والمرتبطين بها، ولا مانع من حجب المواقع المشبوهة.
ولكن أهم من ذلك بكثير فيجب على كل عالم متخصص أن يتخلى عن الصمت المطبق وكأن الأمر لا يعنيهم وأن يتركوا السلبية ويجب مقارعة الفكر بالفكر والحجة بالحجة، يجب علينا جميعاً أن نقضي على المحرك الفكري والإيديولوجي للإرهاب فإنه يستحيل مقاومة الإرهاب والحد من خطره من دون أن نحارب الفكر بالفكر ونقارع الحجة بالحجة.
يجب أن نعرف أن عدداً من أرباب الإرهاب والفكر الضال لا يحاول الاتصال بالإنترنت بالمواقع الإرهابية وإرسال رسائل فكرية مدمرة وملوثة وخطرة وقاتلة من منازلهم حيث إنه ليس من الصعب ملاحقة الرقم الهاتفي فيلجأ عدد من أرباب الإرهاب والفكر الضال وحتى عدد من الشباب المغرر بهم والملعوب بعقولهم دائماً يتعاملون مع الإنترنت في المقاهي.
وهنا أهمية تدخل جهات أمنية وعلمية في السيطرة على هذه المقاهي.
وهنا يجب أن نعرف أنه وحتى في أكثر دول العالم حرية وتحللاً وانفتاحا وأكثرها حفاظاً على خصوصية الأفراد نجد أن مقاهي الإنترنت في تلك الدول مصممة بطريقة مفتوحة ومن دون حواجز وليست مظلمة، بينما لدينا نجد الحواجز المرتفعة بل هي غرف مغلقة بذريعة إعطاء الخصوصية لمستخدمي الإنترنت، وهذه الغرف أيضاً مظلمة مما يعطي الشاب قدراً هائلاً من الخصوصية ويفتح لهذا الشاب أن يصبح صيداً سهلاً لأرباب الإرهاب، لذا فللأسف المقاهي هي بؤر للانحراف الفكري والفساد الأخلاقي, وهنا يجب أخذ رقم هوية من يتعامل مع الإنترنت في المقاهي للحيطة والحذر.
كذلك يجب أن نعرف جميعاً أننا نعيش في ظروف استثنائية قاهرة وصعبة بسبب ما صنعه أرباب الإرهاب والفكر الضال، لذلك لا يمنع من وجود بعض الأنظمة لمثل هذه المقاهي وحتى تنتهي أزمة الإرهاب إن شاء الله، لعل منها أن تصمم الحاسبات على الاحتفاظ بالمعلومات الموجودة بها والمواقع التي دخلت لمدة لا تقل عن 72 ساعة مما يعطي الوقت للرجوع للمعلومات فيما لو احتيج لها من الجهات الأمنية.
كذلك ما المانع من ربط هذه المواقع إلكترونياً مع جهات أمنية وعلمية أمثال وزارة الداخلية أو مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية بحيث تستطيع الجهات الأمنية من الإشراف على المقاهي والتأكد من عدم الدخول لهذه المواقع المشبوهة، وأهم من ذلك عدم إرسال رسائل أو شفرات لأرباب الإرهاب.
ولنعلم أنه فقط الربط الإلكتروني وفكر الرقابة الأمنية سوف بإذن الله تمنع الكثير جداً من الفساد والشرور.
كذلك من الأمور التقنية تستطيع الجهات الأمنية إنشاء عدد من المواقع الوهمية الإرهابية حيث تتيح للجهات الأمنية أمرين مهمين، الأول معرفة من يدخل لهذه المواقع ويتفاعل معها ويكتب ويرسل لها، والأمر الآخر هو أن نخلق جواً من عدم الثقة والريبة في المواقع الإرهابية الأساسية، فجميعها سوف يكون عليه علامة استفهام هل هي إرهابية أم دمية لاختبار الجمهور، وهذا بحد ذاته مكسب استراتيجي.
وأخيراً يجب الإكثار من المواقع الجيدة والوسطية والتصحيحية التي تواجه المواقع المتطرفة والتكفيرية وتظهر الجانب المعتدل المشرق من الإسلام العظيم من كتاب الله سبحانه وتعالى ومن السنة النبوية المطهرة بعيداً على فكر التكفير والقتل والتطرف.
هنا لابد من مواقع ديناميكية مؤثرة مثيرة متغيرة شيقة وليست للأسف مثل بعض المواقع الرسمية التي تحارب الإرهاب بفكر جامد روتيني.
وكذلك يجب الإكثار من المواقع التي تنشر فكر حب الوطن وتنشر العلم الشرعي وأحكام الجهاد الصحيحة حتى تغلق الباب على أرباب الفكر الفاسد بواسطة إشاعة الفكر الجيد الإيجابي عبر مواقع الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي الحديثة.
وأخيرا يتحتم علينا كلنا مجتمعين أن نبذل أقصى درجات المسئولية في أن نمنع هؤلاء الشباب عن هذه الخلايا الإرهابية الداعشية المجرمة والمنحرفة والتي تتغلغل بواسطة الطرق الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي الحديثة والتي تهدف لتدمير ووطننا وافساد التنمية الشاملة التي نعيشها جميعا في وطن الخير والمحبة وطن الإسلام وقبلة المسلمين ومقدساتهم تحت راية التوحيد الخالدة وتحت قيادة الوالد خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين وولي ولي عهده - حفظهم الله - وحفظ الله هذا الوطن الكريم ومواطنيه والمقيمين فيه من كل شر ومكروه وأدام على وطننا الكريم نعمة الأمن والأمان والاستقرار والرفاه والخير العميم إن ربي سميع مجيب.