د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
(1)
** من يشأْ الاستشهاد بأنموذجٍ على عقم الحوار السياسيِّ ورداءته وتناقضه وسوءاته فليتابع محطات التلفزة اللبنانية؛ فعلى مدى سنواتٍ طويلةٍ لم يغادر إذاعيوها وضيوفُها المربع الأول في جدلياتهم بكلام مرددٍ مملٍ تبدو فيه نوايا المُملِي وتبعيةُ المملَى عليه؛ فقدر هذا البلد أن يُرتهن للتضاد المحلي في تكوينه والعربي في جغرافيته والدولي في سياساته.
** ليس مهمًا أن نستقصي حالته اليوم؛ فقد تشابهت البلدان والسكان وصارت كلها لبنان حتى لا هُوية تفصل بين إعلامييها وكُتَّابها إذ اختلطت الرؤى وغلبت الانتماءات الحزبية والأدلجية وبات التنقلُ بين الاتجاهات والقفزُ على الثوابت والمقدمات أحدَ إفرازات ما بعد ثورات الربيع العربي؛ فلم نعد نعلم: من يؤيد منْ؟ ومن يعادي من؟ وإلى أين نسير؟
(2)
** ربما جاز القول إن «الإعلام الاجتماعي» الممثل في وسائط التواصل الرقمي قد بلغ مرحلةً تُوجب تصنيفه وتنظيمه ومحاكمته بديلًا عن الخلط والخبط المستمرين اللذَين ارتهنا الرأي العام بتوجيهٍ سلطوي في المسار الأفقي، وهو مسار أقسى نواتج من إفرازات الأنظمة الشمولية الرأسية التي تملك القبضة والمشنقة، وقد عبر «وائل غنيم» أحد رواد هذا الإعلام حين عكس نظريته التي اعتنقها عام 2010م حول أن الإنترنت هو الطريق إلى تحرير المجتمع بقوله في أحد مؤتمرات «تدكس -ديسمبر2015م-»: إنه كان مخطئًا؛ فالوسيط الذي وحَّدهم حينها هو الذي يمزقهم الآن.
** آن أن نوقف الغزل بفتوحات هذه الوسائط مثلما كفانا تقزيمًا للنخب وتضخيمًا للعامة؛ فقد سُدت المنافذ أمام الوعي الجمعي ليتجه نحو المدرج الإجباري الذي تحتله الدهماء فلا يميز ما وراءه ليبدو المتابعون محكومين بالاتِّباع الأعمى أو الفرجة الصامتة أو المقاومة البائسة، ومن هنا نشأت «الدعشنة» الاجتماعية، ولا فرق بين من سلاحه سوطٌ أو صوت لا يحملان العدل ولا يحميانه؛ فهل نحن فاعلون؟
(3)
** سعى صاحبكم يومًا لاستجلاء آراء عدد من علمائنا الأفاضل حول ما ورد في كتاب الشيخ يوسف بن السيد هاشم الرفاعي عن الآثار النبوية في مكة والمدينة شرفهما الله (نصيحة إلى إخواننا علماء نجد) فلم يجد إجابة مقنعةً غيرَ الخوفِ من التبرك بها وسدِّ الذرائع حولها، ثم تابع بحوثًا أخرى من أبرزها بحث الدكتور عبدالعزيز بن عبدالفتاح قاري حول (الآثار النبوية بالمدينة المنورة: وجوب المحافظة عليها وجواز التبرك بها) وأيقن أن البون بين الفريقين يصعب لأمُه أو ردمُه، وحاور في مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عددًا من الشباب المثقف ووجد الهواجس ممتدةً تجاه إزالة أو تهميش ما بقي من آثار نبوية، وبقيت استفهاماته حائرةً بين الغلاة والقُلاة؛ فهل يدنو المتباعدون؟
(4)
** السؤالُ رحلة قد تطول.