د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
**»اعرفْ عدوك»؛ عنوان تَمثل كتبًا وبرامجَ مسموعةً ومرئيةً وصفحاتٍ مقروءةً وأناشيد سادت زمنًا حين فاض الشعور القوميُّ أيام كانت دولة يهود العدوَّ الأول والأوحد للأمة، ولعل تكاثر العداوات لم يتسع لأفكارٍ أشمل كي نعرف أعداءنا؛ على طريقة:
ولو كان سهمًا واحدًا لاتقيتُه
ولكنه سهمٌ وثانٍ وثالثُ
ويروى: «هَمًّا»، وسواء أكان همًا أم سهمًا فقد تجاوزت مآسي الأمة مراحلَ الترف المحدودة بسهام وهموم ليصبح وجودُها الممدود موقعَ شكٍ بين الشامتين والمشفقين.
** لعل الخطوة الأولى التي نحتاج إلى استعادتها تحديدُ الأعداء الملتبسين، ومعظمُهم ممن تسمَّوا يومًا أصدقاء فظننا بهم خيرًا،وفي الأمثلة الفردية المتناولة أناسٌ قدَّموا فروض الولاء حين كانت لهم مصالحُ في مكانٍ أو مع فئامٍ فلما انتفت الحاجة المادية أوتبدلت المواقع الوظيفيةُ صاروا حربًا على من أكرمهم وحِرابًا في خواصرهم.
**ومن الأعداءِ من نحسبهم منا؛ فليسوا رومًا ولا فرسًا ولا يهودًا بل من بني أبينا؛ يحملون وسومَنا ورسومَنا؛فإذا هم «خلف ظهورنا رومٌ»- كما نطق المتنبي- بل وفرسٌ ويهودٌ يعملون على تفكيك البناء الوطني عبر منافذِ التشفي ومناهج التخفي؛ فلا يُرون بالعينِ الغافية ولا يُدرَكون بالقلوب الغافلة، وفي الأزمات لا يستترون فينكشفون ويُكتشفون.
** وفي الأحداث المتوالية المحيطة بنا والساكنة في عمقِ أرضنا وناسنا مايَفترض وعيًا يتجاوز شعارات المواطنة والمساكنة الهائمة والعائمة، ولا داعي للتفتيش عنهم أو فيهم بعدما صارت وسائط التواصل بديلًا لأجهزة المتابعة؛ إذ نقرأُهم صوتًا مضادًا أو صمتًا متواطئًا، وقد عرَّتهم أحداث العراق وسوريا ولبنان واليمن ومصروالإرهاب فبدا المرجفون والمتفرجون غيرَ معنيين بالهُوية التي تُظلهم والحقِّ الذي يزعمونه؛ أكانوا ملاليَ أم موالي، شيوخًا أم مريدين.
** وفي كفة الأعداء - وما هم منهم - أبناءٌ وآباءٌ وإخوةٌ وأصدقاء يميلون مع الريح فتتبدل اتجاهاتهم وفقًا للإيماءات والإملاءات من حولهم، وربما تجاهلوا - في سبيلها - مصالح أمتهم، واعتدنا - في الاندفاع العاطفي- سرعةَ تغيره وانتفاءَ طمأنته واعتمادَه زوايا حادةً ومنفرجةً وعكسية وفق الأحوال والأهواء المتناقضة.
** في «منهاج السنة» ناظر ابنُ تيمية «السني» ابنَ المطهَّر «الشيعي» صاحب «منهاج الكرامة»؛ فأورد كلامه كاملًا وأجاب عنه مفصلًا، ولو اكتفى بهِجائه لما أخذ ذلك من جهده أكثر من صفحةٍ عابرةٍ لن يحفل بها معاصروه ولا محبوه، لكنه أورد الرأيَ والردَّ فحفظ لنا التأريخ سِفرًا عظيمًا لو لم يكن لشيخ الإسلام سواه لكفاه، ونحن اليومَ أحوجُ إلى مثل هذا الأسلوب العلميِّ كما حاجتنا إلى المسكونين بالحق ولو على أنفسهم.
** التأصيلُ العلميُّ يعطي معرفةً ومناعةً وقوةً متى استطاع السياسيُّ والإعلاميُّ استثمارها في الحرب المضادة بدلًا من الاتكاء على إنشائياتٍ تُهدر الوقت والجهد وقد تضر القضايا العادلة التي نتصدى لها بسبب ضعف الإعداد والاستعداد.
**الأقنعةُ خوف.. والجهل ضعف.