د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
لتكن الخاتمةُ هي المقدمة؛ فأكثرنا «يُطوِّف ما يُطوف» في اتجاهات الأرض الأصلية والفرعية مكررًا المكان نفسَه ومصافحًا الإِنسان ذاته ثم «يأوي» إلى مدينته أو قريته؛ فلا تتغير في ناظره الوجوهُ ولا تتبدل في ذاكرته الحكايات.
** يعلم صاحبكم أنه معنيٌ بهذا أكثر من غيره، ويلتمس في قصور الخدمات السياحية تبريرًا، ويأسف ألا يعرف من وطنه سوى بعض عواصم المناطق، ولولا دعوةٌ غالية من صديق غالٍ لما عاش أجمل يومين في ينبع مستشرفًا الجبل صعودًا والسهل نزولًا يحيط بهما الوادي والبحر في تنوعٍ جغرافيٍ فريد تحتويه ينبع النخل وينبع البحر وتتوج مستقبلَه ينبع الصناعية.
** لم يكن للزيارة هُوية رسمية بالرغم من أن الداعي محافظُها النشطُ المهندس مساعد اليحي السليم الذي مارس حقَّ الأخوة الحميمة التي تجمعنا به فلم يكلَّ ولم يملَّ من الإلحاح علينا (شرقي الشرقي - عبد الله اليحي الخالد السليم - عبد الله الحميدان - خالد الخويطر - محمد الخليل - محمد الزامل)، فسوَّفنا الموعد طويلًا ثم قضينا ثمانيًا وأربعين ساعة في مدينة الينابيع والتأريخ والرجال، وأيقنا أن رائحة الوطن لا تعدلها قوارير العطر الفرنسي وأن ترابه أغلى من تبر البنوك السويسرية.
** ينبع شامخة كجبل رضوى، حميمة كممر «عانقْني»، نقية كعين الفجة، خصبة كوادي «خمال»، مهيبة كقلاعها وقصورها، ثرية كبحرها الصافي، أصيلة كجذور الجابرية وسويقة والسويق، مسالمة كأهلنا الطيبين فيها، كريمة كعمنا أبي سليم القايدي، لطيفة كشيخنا عطية الرفاعي، مرحة كمبدع الصَّيد والكَسرة أحمد الذبياني، نابهة كشابها المهذب عبد الله الرفاعي، مستشرفة غدًا مضيئًا بحماسة وتخطيط وجهود محافظها أبي فيصل وعون وكيله المضيء الاستاذ خالد الغملاس.
** لم نلتق بالرسميين؛ فالمهندس مساعد صديقُنا، ولم يعنِه أن يحكي عما أَنجز أو سيُنجز، لكن الناس حكَوا حيث التقينا بهم في الدكان القديم والبيت الأثري والخيمة الصحراوية، وقرأنا على ألسنتهم ثناءً وفي إيماءاتهم فرحًا ودعاءً لمحافظهم المتقد، وحين رآنا خطيبُ الجمعة بادر بالسلام علينا بعد الصلاة، وعرفنا أنه أستاذ بجامعة أم القرى لم يألف أشكالَنا فشاء إكرامنا، واعتاد ناسُ تلك الأماكن تفقد بعضهم والترحيب بالغريب عنهم، والتئام الجد مع الأبناء والأحفاد لخدمة ضيوفهم، وكذا تَميزُ أمكنة الدفء اللذيذ، ولا عزاء لساكني مدن الجفاف والصقيع.
** كانت ينبع نقطة تحول في مسيرة الشيخ حمد الجاسر حين حدّد لطلبته خطأً موقع «رضوى» نقلًا عن البلدانيين فأبلغوه أنه ذاك الشاهقُ المرئيُّ من نافذة الفصل، ورأينا المدرسة التي تخرج فيها وزيران «جُهنيان»، ولم يغب عن أعيننا أستاذنا عبد الكريم الخطيب صاحب «الأرض الطيبة» و»مجلس أبو حمدان»، كما لم يفارق مسامعَنا صوتُ الرائد «بدر كريِّم»، ولم يأذن الوقت بزيارة مؤرخيها والاستزادة منهم عن حقيقة جِنِّ سليمان وابن الحنفية وكثيِّر عزة.
** للمهندس مساعد الامتنان، ولأهلنا في ينبع المحبة، ولهيئة السياحة رجاء احتواء المصطافين والمشتائين كي يعرفوا «ربوع بلادنا» كما سعى قبلها «الينبعي» الراحل «خالد زارع».
** الوطن قلب.