د. محمد عبدالله العوين
إن العجب ليبلغ مداه حين تملأ أسماعنا كلمة «بطالة» ونحن نمر بمرحلة مهمة من تاريخنا الوطني!
مرحلة تتكاثف فيها غيوم التهديدات تلميحا وتصريحا، وينعق فيها أولئك الذين تتشقق وجوههم عن ابتسامات بليدة في المؤتمرات واللقاءات الرسمية من بني الأصفر؛ ولكنهم لا يجدون حرجا في التعبير عما تكنه أفئدتهم الممتلئة بكراهية منسلة من أحقاب تاريخية دينية وعرقية.
السياسيون في الغرب يتحدثون بدبلوماسية ؛ ولكنهم يعملون وفق خطة تخالف ما يدلون به من تصاريح معسولة، وهو شأن السياسية الأمريكية التي تتصادم أفعالها مع أقوالها في اللحظة نفسها التي يتحدث فيها أحيانا وزير الخارجية المكلف بمتابعة ملف إدارة الصراع في منطقة الشرق الأوسط إلى الجهة التي تخدم فيها الغايات والأهداف التي أوقدت من أجلها الحرائق!
مرحلة صعبة وحرجة حقا يمثل فيها القتلة على خشبة المسرح السياسي أدوار دعاة السلام وناشري المحبة والتقارب بين الديانات والثقافات والشعوب، ويرتدي فيها الأشرار الممتلئون عنصرية وشعورا بالتفوق العرقي والحضاري مسوح القديسين والأولياء والصالحين، وينخدع بعضنا بما يؤديه أولئك من أدوار تمثيلية بارعة تصرف الأنظار عما يجري حقيقة خلف كواليس المسرح السياسي، حيث الأرض تشتعل ؛ فتدمر مدن، وتحتل بلدان، وتشرد شعوب، ويموت مئات الآلاف من العرب والمسلمين على امتداد جغرافيا الأمة، وتمحى حدود، وتعاد صياغة ثقافة وتاريخ وأيدلوجيا عدد من البلدان التي التهمتها حرائق النيران التي أشعلها أولئك السياسيون المبتسمون للكاميرات في المؤتمرات والملتقيات الرسمية!
في مرحلة كهذه لا يحسن بنا أن نسمع كلمة «بطالة» تطن وتئن في آذاننا وكأننا في حالة استرخاء وهدوء تام سنتدبر البحث عن مسارب وظيفية لمئات الآلاف من والشابات الذين يتخرجون من الجامعات ويبحثون عن فرص عمل!
كيف يمكن أن تحاصرنا «بطالة» ونحن نواجه أزمة لا بد من البحث لها عن حلول، والحلول مشرعة أبوابها لمئات الآلاف من الشباب ليخدموا وطنهم ويحموه بعد الله في ساحات الشرف وميادين الرجولة والبطولة؟!
أيعقل أن يتزاحم آلاف من الشباب على عدد محدود من الوظائف العسكرية التي يعلن عنها أحيانا في بعض القطاعات ولا يقبل منهم إلا القليل بينما يتعلق الباقون بآمال منتظرة لفتح باب جديد من أبواب التوظيف ليتسابقوا ثانية في طلب الانضمام إلى الخدمة العسكرية في أي قطاع من قطاعات الأمن أو الجيش أو الخدمات الأخرى المساندة؟!
في وطن فارهٍ عظيم يمتد كقارة وتتماس حدوده مع مناطق ملتهبة في الجنوب والشمال والشرق يحتاج حتما للحفاظ على أمنه واستقراره إلى مئات الآلاف؛ لا إلى عشرات الآلاف من العسكريين ورجال الأمن المدربين في كل القطاعات ؛ في الجيش بمختلف تخصصاته البرية والجوية والبحرية، وفي الأمن بأطيافه المتعددة، وفي الحرس الوطني وحرس الحدود وغير ذلك من الأجهزة العسكرية والأمنية.
إن قواتنا المسلحة ورجال الأمن أثبتوا بطولاتهم وشجاعتهم في الذود عن حياض هذا الوطن العزيز وفي المحافظة على أمنه، وقد بذلت الدولة - وفقها الله - مئات المليارات لبناء جيش قوي وأمن داخلي متمرس على أداء مهامه ؛ ولكن التوسع في فتح باب العسكرية وظيفيا - لا تطوعا - بل انتظاما رسميا سيحقق هدفين رئيسين ؛ فكما أشرت إلى أننا نمر بفترة من التحديات، وأن الأشرار قد كشروا عن أنيابهم وأحاطت بنا الفوضى في اليمن والعراق والشام والتصريحات التي يتفوه بها متطرفو الفرس لا تنم أبدا عن حسن طوية، وما يقترفه مجرموهم من الحشد الشعبي ومن يماثله يكشف عن المخبأ المكنون في نفوسهم، وسعيهم المتواصل لإثارة الفتنة في البحرين وجزء من وطننا في المنطقة الشرقية عن طريق استمالة شواذ الفكر من أتباعهم يدل دلالة قطعية على النوايا الرديئة المبيتة، وتجهيز ودعم داعش في العراق وسوريا ونقله إلى سيناء وليبيا ومالي ونيجيريا يشير إلى تهيئة هذا التنظيم الإرهابي ليؤدي دوره في استمرار الفوضى والاضطراب في المنطقة العربية والإسلامية كلها.
وسيؤدي التوسع في فتح أبواب التوظيف العسكرية إلى القضاء على ما يقرب من 80% من بطالة الشباب، بحيث تخف وطأتها على المجتمع، ويجد عشرات الآلاف من العاطلين ما يفرغون فيه طاقاتهم الشابة المتوقدة في الذود عن حمى وطنهم وصرفهم وإشغالهم بما يفيد وإبعادهم عما يمكن أن يقود إليه الفراغ والبطالة من سيئات لا تعد ولا تحصى.