د. محمد عبدالله العوين
تشكل «الحشد الشعبي» بعد فتوى المرجع الديني علي السيستاني التي أطلقها بتاريخ 13 من يونيو 2014م باسم «الجهاد الكفائي» لتحرير العراق من «داعش».
وقبل أن نسهب في تحليل مقاصد وغايات الحشد وتنظيماته وقادته ومن يموله ويدعمه بالمال والتوجيه والخبراء لا بد أن نلتفت إلى أن تكوين الحشد لم يتم إلا بفتوى من مرجع ديني كبير له صوته المجلجل في الطائفة الشيعية العراقية والإيرانية وغيرهما؛ بمعنى أن الأمر بتكوين الحشد ليس عسكرياً سياسياً موجهاً إلى عسكر أو رجال أمن أو حتى مدنيين يتطوعون فيأخذ صفات القتال للدفاع عن العراق؛ بل رؤي أن يؤسس تكوين الحشد على بعد «طائفي» يمهر بختم أعلى مرجع ديني فارسي للشيعة الاثني عشرية هو علي الحسيني السيستاني، وحين أقول أنسبه إلى فارس فلا أتعدى الحقيقة؛ فالرجل قد ولد في مدينة «مشهد» الإيرانية متنقلاً بين الحوزات العلمية كقم وغيرها إلى أن بلغ العشرين من عمره، ثم ارتحل إلى مدينة «النجف» العراقية 1951م في رحلة علمية جديدة، وهو هنا يجمع بين الفارسية والعربية، ويوطد أركان المذهب الاثني عشري في العراق ويحتل مرتبة الإفتاء والمرجعية عند الطائفة بعد أن توفي أستاذه الخوئي.
لسنا معنيين هنا بسيرة السيستاني قدر عنايتنا بأثر فتواه «الجهاد الكفائي» التي تأسس عليها «الحشد الشعبي» مدفوعاً بروح دينية جهادية -كما يزعم أتباعه- وفورة مشاعر طائفية لن تكون على النحو الذي تجلت به قبحاً وبشاعة ودموية لو كان مصدر الأمر سياسياً أو عسكرياً لا دينياً طائفياً، إن الشكوك تدور في أصل التكوين وغاياته وأهدافه التي لم تتوقف أو تتراجع أو تضعف مذ انطلق الحشد بأناشيده الصاخبة وأغانيه الحماسية الضاجة قبل سنة ونصف تقريباً، ولا يمكن أن تزيل الشكوك في أهداف وغايات الحشد التي أصبحت مكشوفة تلك الكلمات المعسولة والتوجيهات الإعلامية اللطيفة من المرجع علي السيساتني أو رئيس الوزراء حيدر العبادي بعدم ممارسة أي اندفاع طائفي أو ارتكاب أعمال عنف ضد السنة فما يمارسه الحشد الشعبي طوال أكثر من سنة ونصف من أعمال إجرامية متواصلة لم تنقطع موثقة عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي دون أن يوقفها المرجع الديني أو رئيس الحكومة على الرغم من انتقادهما لها إعلامياً يؤكد أن الغاية الوحيدة التي رسمت للحشد هي اجتثاث الطائفة السنية من العراق، والكلام المعسول ليس إلا للاستهلاك الإعلامي.
ولكي نستطيع فهم دوافع إجرام الحشد لا بد لنا أن نلم بمصادر تأسيسه وقادته ونوع الخطاب التعبوي الذي يحقن ويغذى به الحشد؛ كي يستأسد في قتاله ويرتكب أبشع الجرائم مدفوعاً بمواصلة نفخ الروح الطائفية فيه لتخلق في داخله بطولات مقدسة تتخضب بدماء الأبرياء من سنة العراق بحجة مقاومة «داعش» وتطهير العراق منها؛ بينما يرتكب التنظيم الإرهابي «داعش» جرائمه هو الآخر بطرق ووسائل وفتاوى أخرى ليقع شعب العراق بين نارين «داعش» و»الحشد الشعبي»!
بدأ تكوين مجاميع الحشد الشعبي بعد الفتوى السيستانية المذكورة من المنظمات والأحزاب الشيعية المتطرفة؛ مثل: كتائب الإمام علي، فرقة العباس، سرايا عاشوراء، سرايا أنصار العقيدة، منظمة بدر، عصائب أهل الحق، كتائب جند الإمام، حزب الله النجباء، سرايا الخراساني، كتائب سيد الشهداء، حركة أهل الحق، وقوات أبو فضل العباس، وغيرها بما يمكن أن يصل إلى ستين تنظيماً شيعياً متطرفاً، وتولى قيادة هذا الحشد الشعبي رئيس الحكومة نفسه حيدر العبادي الذي يتبرأ إعلامياً من جرائم أتباعه دون أن يستطيع إيقافهم على الرغم من أنه هو القائد الأعلى للحشد الشعبي، ومن الأسماء البارزة فيه: فالح الفياض، وأبومهدي المهندس، ولا نغفل عن اسمي مجرمين ما زالا يرتكبان أفظع التصفيات والسحل والتمثيل بالجثث وحرق المنازل والمساجد؛ هما هادي العامري رئيس منظمة بدر، وأيوب الربيعي الملقب بأبي عزرائيل.
وسأقف في المقال القادم على خطة المشروع الفارسي في المنطقة العربية انطلاقا من العراق وسوريا القائمة على الإحلال والإبدال؛ أي اجتثاث العرب السنة وإحلال جنسيات شيعية غير عربية في المناطق التي تم تهجير السنة منها. يتبع