د. محمد عبدالله العوين
عبد الله بن سعود البرغش شاب في مقتبل العمر موظف في أحد البنوك مكافح ومجتهد منضبط في عمله وأداء واجباته الأسرية والعائلية بار بوالديه لديه طفلان ويسكن بيتا بالإيجار ويتقاضى مرتبا متواضعا من بنك الراجحي، لم يتذمر أو يشكو أو يعلن سخطه على عدم اكتمال مطالبه الأساسية، وعلى رأسها امتلاك بيت الأسرة الصغيرة الناشئة؛ بل تناسى الأمنيات واستحضر العمل والسعي الدؤوب النشط للوصول إلى أهدافه؛ فافتتح محلا هنا وجرب هناك وابتعث في دورة لغوية لمدة سنة إلى أقصى شمال كندا في مدينة « فانكوفر « إلى هنا وهمته لم تفتر ولم تتضعضع؛ بل ازداد الطموح لديه توقدا واشتعالا؛ إلا أن أمرا حدث فجأة اختطف منه كل هذا التوقد وكل تلك الحماسة والاندفاع نحو الحياة المتوثبة؛ فقد أصيبت والدته « نورة « التي تشاركه الشقة الصغيرة المستأجرة مع أسرته بتليف في الكبد تطور معها بصورة سريعة إلى فشل كبدي كامل، وقد أحدث هذا الخبر المفجع صدمة عنيفة عليه وعلى عائلته وأقربائه، ووقع الجميع في حيرة وارتباك بين السفر إلى الصين لزراعة كبد أو الانتظار إلى أن تتاح كبد متبرع في المملكة وتتم زراعتها هنا في المستشفى التخصصي بالرياض، وتمت مراسلة أحد المستشفيات الكبرى في الصين، وبعد مضي شهرين وصلت رسالة تفيد بأن الأمور مهيأة للزراعة وليس على المريض ومرافقه إلا القدوم سريعاً؛ ولكن هذا الشاب الشهم كان قد أجرى فحوصاً لمعرفة إمكانية تطابق أنسجة كبده مع كبد والدته وكان وقتها ينتظر الإجراء الأخير في الفحوص الاستقصائية؛ وهي نتيجة « الخزعة « التي أخذت من كبده.
وقد أعلن الفريق الطبي المشرف على علاج والدته أن رقمها « 11 « في انتظار كبد متبرع ولا يعلم متى تتم الزراعة للمنتظرين العشرة الذين يسبقونها، فقد يكون الانتظار شهرا أو ثلاثة أشهر أو أكثر من ذلك حسب توفر كبد متبرع مناسبة؛ وعندها وبعد أن علم « عبد الله « أن كبده مناسبة ومتطابقة أعلن أنه جاهز ومهيأ للتبرع بكبده، ويأمل من الفريق الطبي عدم التأخر في إجرائها؛ لئلا تزداد مضاعفات الفشل الكبدي على والدته، وقد وصلت إلى مرحلة حرجة وبدأت تدخل في ما يسميه الأطباء « الغيبوبة الكبدية».
دخل الشاب البار النبيل « عبد الله « إلى غرفة العمليات صبيحة يوم الاثنين الماضي في مثل هذا اليوم وكان يقول وهو في كامل أناقة من يهيأ لحفل عرس مستبشرا متفائلا : أدعو الله أن يكفر بما أتبرع به عن تقصيري في حق والدتي!
دخل الاثنان إلى غرفتي العمليات، عبد الله سبق والدته بثلاث ساعات وأجريت عملية استئصال 70% من كبده ليتبرع بها إلى والدته، وتم استئصال كامل كبد والدته وزرع 70% التي تبرع بها ابنها عبد الله بديلا للكبد المتليفة.
سيعيش عبد الله الآن على 30% من كبده إلى أن تنمو بقدرة الله وتتكامل بعد مضي شهرين، وستتم إجراءات طبية عديدة لتمكين جسم والدته من قبول العضو الغريب المزروع، ولا زالت « نورة « شبه غائبة عن الوعي وتحت مراقبة طبية دقيقة إلى أن يكتب الله لها الشفاء التام إن شاء الله.
كم أنت نبيل وسام وإنساني يا « عبد الله « لقد كنت تخفي في إهابك قلبا كبيرا وروحا إنسانية عظيمة لم تتكشف بالصورة التي تجلت به إلا حين حزب الأمر وقدمت قطعة من غالية عليك من كبدك إلى من هي أغلى وهي والدتك!
وحتى بعد إفاقتك وبتلعثم وصعوبة في النطق بعد الإفاقة من « البنج « كان سؤالك الأول : كيف هي أمي ؟ هل العملية ناجحة ؟ هل أفاقت ؟ ماذا قال لكم الأطباء؟.
إنني وأنا أرى بين شبابنا ولله الحمد مثل هذا الشاب البار الوفي أتطلع إلى تشجيعهم ومكافأتهم والإعلان عنهم ومنحهم ما يستحقون من التقدير، والتحفيز أيضا على التبرع بالأعضاء، نريد أن يضرب المثل بـ « عبد الله « ومن صنع صنيعه إعلاميا وأخلاقيا؛ ليكونوا قدوات ونماذج تحتذى في عمل البر والخير.