لا تنتظر فرَحاً من فرِحين
فالفرحون لا يهدون أفراحاً
وحده الحزين يهديك كل الأفراح
ويحملُ عنكَ أحزانك.
نقول حين نبالغ في وصف شيء غريب (أغرب من الخيال) فهل الخيال غريب؟ لو كان الخيال غريباً لما سهر الناسُ بصحبته وذهبت أعمارٌ من أجل تحقيقه. الخيال غير حقيقيّ ولكنه ليس بغريب. كل الأشياء غير الحقيقية ليست بغريبة. الكذب غير حقيقيّ ولكنّ ألفَ إنسان من بين كل ألف إنسان على استعداد دائماً لاحتضان الكذب. الصدقُ هو الغريب، فنادراً ما يجد من يحتضنه!.
لا تنتظر راحةً من مستريحين
فالمستريحون لا يهدون راحاتٍ
وحده المتعَبُ يهديكَ كلَّ الرّاحات
ويكفلُ لكَ أتعابَك.
من قال إن الذاكرة خائنة حين تنسى لم ينصفها. وفاءُ الذاكرة لصاحبها أن تنسيه كثيراً من نفسها لتستريح نفسُه. الذاكرة تضحّي من أجلك ببعض نفسها، فكيف تكون التضحية خيانة؟ النسيانُ هو الخائن حين يخلّ بمهام وظيفته ويلعب، يقتحم الذاكرة متوارياً عن مكانه دونها خلسة ويفجع صاحبها باستعادة صور وأسماء وعبارات ولمسات وروائح ووعود كان أولى بالنسيان أن يحتفظ بها لنفسه ويكون أوفى بمعناه فيك وأحنَّ منكَ عليك.
لا تنتظر ذكرى من حاضرين
فالحاضرون لا يهدون الذكريات
وحده الغائب يهديكَ كلّ ذكراه
ويغطّي بذكراكَ غيابَك.
ستتربّى على أشياء لم تعتد عليها، وستعتاد على أشياء لم تتربَّ عليها، وستذهبُ أكثر، وتعودُ أكثر، فلا..
لا تنتظرْ جرحاً من مجروحين
فالمجروحون لا يهدون جراحاً
وحده الجارح يهديكَ كل الجراح
وينزعُ بشماتةِ الدنيا ضمادَك.
فلا..
لا تنتظرْ
(لا شيء بعد الانتظار سوى انتظارْ)!
فلا شيء من خلف الستار سوى الجدارْ.
هل استطاع البحرُ أن يطرد الملحَ عن مائه من بعد كل الأمواج المتلاطمة؟ ربما الملح هو الأقدر على طرد الماء في الهواء أو امتصاصه حتى يجفّ متصالحاً مع الصحراء، ولكنه لم يفعل. الملحُ حنونٌ جداً على كل الأشياء التي تستحقّ البقاء، حتى الماء. ومن يعرف سرَّ الملح يعرف أسرار الملامح والدماء، ونشوة البكاء مع الكبرياء.
- جدة
ffnff69@hotmail.com