عبدالعزيز السماري
ما زالت قرارات رفع الدعم عن أسعار الوقود ورفع أسعار شرائح الكهرباء والماء وأخبار الضرائب المرتقبة تواجه أصداء في مختلف فعاليات المجتمع، فهناك المؤيد الذي يرى أن الحكومة في حاجة لترشيد الإنفاق وتوفير دخل أكبر للدولة من الطبقة المتوسطة والأعلى،
ويعتقد أن رفع الدعم بمنزلة العلاج المؤلمة للخروج من نفق النفط وأزماته السعرية..
بينما يرى آخرون أن محاولة خلق اقتصاد من مجتمع يعاني من البطالة وقلة الإنتاجية هو أشبه بتجارب الفشل العربي في التنمية خلال الحقبة الماضية، وقد نستثني من نماذج الفشل دولة الإمارات وخصوصًا إمارة دبي، التي سلكت طريقًا مختلفًا عن نموذج الفشل العربي.
كان نجاحهم يعتمد أولاً على توفير البنى الأساسية وجذب الاستثمارات الأجنبية ورفع جودة الخدمات المقدمة إلى درجة تنافسية مع العالم الأول، ثم فرض رسوم أو ضرائب عليها لاحقًا، كان المستفيد الأكبر منها المواطن، الذي يتميز الآن بدخل مالي عالٍ، ولا يتأثر بالرسوم على الخدمات بعد تطبيقها.
بينما يعتمد نموذج الفشل العربي على اقتطاع جزء من دخل المواطن الضئيل ثم ضياعه في منظومة الفساد الإداري والمالي، مما أدخل الدولة العربية في متاهات الديون والمساعدات الخارجية، واللجوء في نهاية الأمر إلى تعويم العملة أو تخفيض قيمتها.
من خلال تلك المفارقة بين نموذج عربي ناجح ونماذج أخرى فاشلة، تبرز أعراض القلق عند البعض من الخطوات القادمة، ففشل وزارة العمل والتخطيط في إحلال المواطنين محل الوافدين في سوق التجزئة على سبيل المثال ظاهر للعيان، فالسوق يسيطر عليه الأجانب برغم من شعارات التوطين خلال عقد من الزمان.
كذلك يجعل رفع الدعم عن الوقود في ظل سيطرة الأجانب على اقتصاد السوق وكثير من المهن وفي ظل أيضًا استمرار تجارة التستر التجاري، من المواطن الحكومي «الموظف» وصاحب الدخل المحدود الأكثر تأثرًا من القرار، وسيكون الأجنبي المسيطر على اقتصاد السوق الحر الأقل تأثرًا.
في ظل غياب خيار الزراعة والسياحة وتجارة تقديم الخدمات المميزة على مختلف المستويات، والتأخير في توطين أسواق التجزئة والخدمات، وفشل خطط وزارة العمل، يجعل الصناعة هو خيارنا الوحيد للخروج من أزمة الاقتصاد النفطي، ولذلك كان رفع الدعم عن الصناعة الناشئة أيضًا مؤلمًا للغاية، وربما تتأثر قدرتها التنافسية وأرباحها وتوسعاتها في المستقبل.
عند الحديث عن برنامج التحول الوطني، يُطرح مشروع التحول الوطني الأشهر في كوريا الجنوبية، الذي من خلاله استطاعت كوريا بفضل اتباع سياسة التوجه للخارج وتشجيع الصناعات الموجهة للتصدير، زيادة حجم الصادرات من 60 مليون دولار عام 1962م، إلى 254 مليار دولار عام 2004م، بمعدل زيادة سنوية مقداره 40 في المائة. وارتفعت احتياطات كوريا من العملات الأجنبية من 8.0 مليار دولار عام 1998م إلى 199 مليار دولار عام 2004.
لكن الجدير بالذكر والتوقف عنده قبل الاندفاع خلف الشعار، أن مفتاح النجاح في مهمة التحول الوطني في كوريا الجنوبية كان الاعتماد الكامل على الموارد البشرية الوطنية، وبرغم من فقر البلاد الشديد من مواد الخام، نجحت المهمة بامتياز.
لذلك تبدو مهمتنا في الظاهر أسهل بكثير من كوريا ومن الإمارات أيضًا، فالخام المتنوع متوافر، والاحتياطات النقدية متوافرة، والموارد البشرية الوطنية متوافرة أيضًا، والتعليم العالي يتطور وتتنوع مخرجاته، وما نحتاجه فقط في هذه المرحلة عقول إدارية مبتكرة وقادرة على إنجاح المهمة الوطنية في التحول الضروري.
كان الألم المتوقع في برنامج التحول الوطني أن يأتي من خطط إحلال المواطنين في السوق والمصانع والشركات الكبرى محل الأجانب، ثم تشجيع الصناعات الموجهة للتصدير، ودعمها بالطاقة، وذلك من أجل تحويل الموارد البشرية الوطنية إلى أدوات منتجة وتتمتع بدخل أفضل في المستقبل.
لذلك تبرز مخاوف أن يتأثر قطاع الصناعة الناشئ برفع الدعم عن أسعار الطاقة، وأن تتوقف نتيجة لذلك مشروعات التوسعة والتطوير والتوطين، أو أن تخرج بعض الشركات الجديدة من السوق، أو أن يتم تسريح العمال والمواطنين من أعمالهم بسبب ارتفاع التكاليف في ظل التطوير المستمر.
هكذا تبدو وجهات النظر المتداولة، التي تُطرح من باب الوطنية الواسع، وحفظ الله الوطن للجميع.