عبدالعزيز السماري
اسمحوا لي أن أطرح السؤال الصعب في هذه المرحلة: ما هو المخرج من المأزق الطائفي في المنطقة؟.. الحرائق تشتعل في كل اتجاه في الشرق العربي بسبب نيران الطائفية، وبسبب استخدام المذهب الديني في شئون السياسة، ولعل قرار قطع العلاقات مع إيران جاء لوضع حد للتدخلات في شئون الدول المجاورة على أسس طائفية.
بصريح العبارة جاهدت المملكة في تاريخها الحديث للخروج من الخطاب الطائفي خلال العقود الماضية، برغم من التحديات الداخلية، ونجحت في مرحلة سابقة بعد التوحيد أن تعيد الرصانة والاعتدال إلى بعض من خطابها الديني الماضوي، والذي كان يعتمد في الماضي البعيد على الانغلاق والتطرف، وشهد العالم الإسلامي في السبعينات وحدة غير مسبوقة بين العرب والمسلمين بقيادة المملكة، بغض النظر عن مذاهبهم وطوائفهم، وكانوا صفاً واحداً في حرب 1973.
لكن تلك الجهود التقدمية كانت على موعد مع حراك في الاتجاه المعاكس، ثورة دينية طائفية مفاجئة في إيران، تنص في دستورها الثوري أن المذهب الإثني عشري هو المرجعية العليا في الدولة، وأعلنت بعد نجاحها في الوصول إلى السلطة إلى تصفية أبناء الثورة في إيران، وأفصحت عن خطط تصدير الثورات الشيعية في الدول المجاورة، ووصل حجم تداخلاتها في دول الجوار إلى رقم قياسي، فإيران الطائفية تمزق العراق وتشارك في حرب سوريا، وتمد حزب الله في لبنان، وتساعد أنصار الله أو الحوثيين في اليمن.
كانت ردة الفعل في الدول السنية المجاورة بنفس المقياس والتطرف، وقادت إلى إيقاظ المارد الطائفي في أعماق المذهب السني بعد أن تجاوزته لقرن من الزمان، ولتخرج جماعات الإرهاب الطائفي السني إلى السطح، وتشهد الدول المتحضرة من قرون عودة التطرف والتعصب الديني بين شبابها، ولعل التغيرات الاجتماعية في لبنان وطن الثقافة العربية وساحة الإبداع الفني شاهد على ذلك.
فكانت ردة الفعل على تأسيس حزب الله الشيعي المتطرف ظهور جماعات سنية متطرفة في الشمال، وتبشر بفكر القاعدة وداعش وغيرها في مجتمع لم يعرف في تاريخه التطرف الديني، كذلك هو الحال في العراق، بعد أن تم تقسيمه بعد الغزو الإيراني إلى عراق شيعي آخر سني وثالث كردي، وتقدم الحرب الجارية في سوريا دليل آخر على تمزق وطن بسبب الطائفية وتدخل إيران لمساعدة الأقلية الحاكمة.
ما تفعله إيران في المرحلة الحالية هو رسم خرائط جديدة في المنطقة حدودها الدماء التي تسيل بسبب الصراع الطائفي بين الشيعة والسنة، ويبدو أنها وصلت إلى أهدافها، فالضحايا يتساقطون في كل اتجاه، لذلك أرى أن قطع العلاقات مع إيران يُعتبر موقفاً سياسياً حازماً ضد الاحتكام إلى الطائفية في المنطقة، وضد النظر إلى قضايا العدالة من خلال منظار طائفي.
يبدو أن الإجابة أصعب من السؤال الذي طرحته أعلاه، فالحرب الطائفية تشتعل، ومن أجل أن نصل إلى إجابة محددة لا بد من الاتفاق أولاً أن التطرف الطائفي متأصل جداً في مرجعيات الشيعي والسني، لكن الاختلاف أن التطرف الشيعي الحالي يمثله في الوقت الحاضر دولة كبرى في المنطقة وهي إيران، بينما يمثل الفكر السلفي المتطرف والعنيف جماعات الإرهاب الديني السلفية كالقاعدة وداعش وغيرهما.
باختصار المنطقة مؤهلة للانفجار في حال وصول جماعات التطرف السلفي إلى السلطة في أي دولة عربية مجاورة، وقد تنتهي شعوب المنطقة من الوجود في ظل انتشار ظاهرة التسلح الحالية وخطر التسلح النووي في إيران، ومن أجل أن لا نموت في منازلنا يجب على دول المنطقة محاربة الإرهاب في المنطقة في شقيه السني والشيعي.
لذلك تعتبر خطوة قطع العلاقات من إيران موقفاً متقدماً ضد الطائفية المتشنجة، والدور القادم يقع على بقية الدول العربية مثل مصر وتونس والمغرب الجزائر ودول الخليج العربي في أن تتخذ موقفاً مشابهاً من حكومة الملالي المتطرفة في إيران، وأن تعمل على التخلص من النبرة الطائفية في خطابها العام، وأن تتحد في اقتلاع جيوب الإرهاب السلفي من مجتمعاتها.. والله المستعان.