د. محمد عبدالله الخازم
انتهيت في المقال السابق بطرح سؤال؛ ماذا يعمل هذا العدد الكبير من أعضاء هيئة التدريس بجامعة الملك سعود؟ ماهي انتاجيتهم التي تجعلنا ننفي تهمة التضخم عن الجامعة؟
قبل إكمال المقال؛ أوضح بأنني اكتب عن جامعة الملك سعود كنموذج والرسالة لجميع الجامعات وللجهات المعنية. أكتب رؤيتي بناء على قراءة مبسطة للأرقام المتاحة ولست أقصد تعميم السلبية على جميع إنتاج الجامعة وعلى جميع منسوبيها.
يبلغ عدد أعضاء هيئة التدريس بجامعة سعود 7614 كما يبلغ عدد الطلاب -بما فيهم طلاب الدراسات العليا والذين يفترض أن نصنف نسبة كبيرة منهم مع أعضاء هيئة التدريس وليس الطلاب- 61704 طالب وطالبة. اي أن نسبة الطلاب لأعضاء هيئة التدريس يبلغ حوالي 8 طلاب لكل أستاذ. هذه نسبة تحلم بها أي جامعة! بل إن هذه النسبة تتقلص لتصل إلى أقل من طالبين لكل أستاذ بكلية الطب - عدد أساتذة الطب بدوام كامل 747 وطلابها 1433. الجامعة ليست مجرد مكان تدريس فقط، بل بحثية فكم هو حجم بحثها العلمي؟
أفضل طريقة لقياس ذلك، ولو تقريبياً تتمثل في عدد البحوث المنشورة. وفق تقرير مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية للعام 2012م فإن إنتاجية جامعة الملك سعود من الأوراق العلمية بلغت 7226 ورقة علمية خلال الفترة من 2008 إلى 2012م أي بما معدله 1806 ورقة علمية سنوياً. وكيل جامعة الملك سعود للبحث العلمي صرح في أحد اللقاءات العام الماضي بأن الجامعة أنتجت 2500 ورقة بحثية. سنقدر المعدل مابين 2000 و 2500 ورقة بحثية و سنأخذ بالرقم الأعلى. أي أن 16 ألف عضو هيئة تدريس وطالب دراسات ينتجون 2500 بحثاً في العام الواحد، أقل من 0.2 بحث. ولو استبعدنا إنتاجية طلاب الدراسات العليا فهذا يعني أن عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود بمساعدة الفنيين وطلاب الدراسات العليا اللذين يعملون معه ينتج ورقة علمية واحدة كل ثلاث سنوات. هذا المعدل ولا نظلم الأساتذة ذوي الإنتاجية العالية، بعدة ورقات علمية سنوياً.
ماذا يعمل أعضاء هيئة التدريس بجامعة الملك سعود، مادام النصاب التدريسي لديهم منخفضا وأبحاثهم قليلة جداً؟
أحد التفسيرات هو أن أعضاء هيئة التدريس يعملون في أعمال إدارية وكأن 18973 موظفاً إدارياً وفنياً لا يكفون للقيام بالأعمال الإدارية والفنية، أو أنهم يعملون خارج الجامعة. للأسف الحقيقة تكمن في انشغال كثير من أعضاء هيئة التدريس خارج الجامعة في أعمال شخصية واستشارات و بالقطاع الخاص سواء جامعات أو مستشفيات أو غيرها. هذا أمر واضح بدليل أنه بالرغم من كون النسبة تبلغ طالبين لكل أستاذ بكلية الطب، إلا أن الطلاب والمرضى يشتكون عدم تواجد الاساتذة للقيام بواجباتهم الأكاديمية والمهنية بالجامعة والمستشفى ومثلهم يشتكي طلاب الدراسات العليا وتشتكي قاعات الدرس من تكرر غياب بعض الأساتذة. إضافة طبعاً للكسل وغياب الحافز للإبداع البحثي والأكاديمي. كأن الجامعة مجرد ضمان إجتماعي، أو أنها وسيط تعاقدات بالنسبة للقلة الذين يعملون خارجها وفق الأنظمة بعقود استشارية.
لا قيمة للجامعة دون الاستفادة من مواردها البشرية، وهي هنا غير قادرة أو غير مهتمة بالإستفادة منهم. ربما لعدم إدراك حجم المشكلة أو تواضع دوافع و أليات التطوير. نحن نتحدث هنا عن أرقام ظاهرة، وليس بمقدورنا في مقال صحفي فحص جودة الدراسات العليا وجودة المخرجات والأداء.
السؤال إلى الجهات ذات العلاقة؛ هل ترون الجامعة السعودية - وجامعة الملك سعود مجرد مثال- تدار بطريقة إحترافية من الناحية الإدارية والمالية والأكاديمية؟ كيف تكون الجامعات المصنع للتطوير ولصناعة الموارد البشرية التي تقودنا للمنافسة العالمية وهي بهذا التضخم والترهل؟
للأسف ليس هناك قياس لكفاءة الجامعة السعودية إدارياً وإقتصادياً واكاديمياً. نحتاج ثورة إدارية بالجامعات السعودية علها تقود إلى تطور علمي، يليق بما يصرف عليها وما هو مأمول منها...