د.هلال بن محمد العسكر
يعيش الشعب السعودي الذكرى الأولى لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - يحفظه الله - زمام الحكم في بلاد الحرمين الشريفين، وهي مناسبة مليئة بالرموز والدلالات التي تتجسد فيها أواصر الولاء الدائم، والبيعة الوثقى، والتلاحم العميق بين الشعب وقائده. وتعيد ذكرى الملاحم البطولية التي خاضها ولايزال يخوضها الشعب وملوكه، جنباً إلى جنب، منذ السنوات الأولى للكفاح الوطني من أجل توحيد المملكة، وهو كفاح جسّده شعار الحب والوفاء المتبادل منذ قيام هذا الكيان العظيم.
كما تنطوي هذه المناسبة على دلالات رمزية كبرى، تتجسد في تجديد البيعة بين الملك والشعب، وفي الاستمرارية التاريخية للنظام الملكي، وفي الترابط بين القمة والقاعدة، لبناء مملكة عربية سعودية إسلامية قوية، متمسكة بكتاب الله وسنة رسوله الكريم، وبمبادئ الشورى، وحقوق الإنسان، منخرطة في قيم التقدم والتطور والحداثة؛ وهذا هو المغزى الذي يكمن في التشبث بالثوابت الوطنية التاريخية من طرف الشعب، وتجديد بيعتهم لملك البلاد، بصفته ملكاً خادماً للحرمين الشريفين، ورئيساً للدولة، وممثلها الأسمى، حيث أن البيعة أضحت في المملكة ميثاقاً دستورياً يقوم على التشاور والتكافل والتماسك والوفاء والإخلاص.
تحل هذه الذكرى لتولي الملك سلمان - ينصره الله - الحكم، في مرحلة جديدة، تتسم بالحزم والعزم، والتطوير والتغيير، وتواصل الإنجازات، التي تحققت منذ اليوم الأول لتوليه مقاليد الحكم، وفي مقدمة هذه الإنجازات ترسيخ تلاحم المجتمع السعودي ومحيطه الخليجي والعربي والإسلامي، وتوسيع فضاء الحريات، والعديد من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وحقوق الإنسان، من خلال تشريعات وتنظيمات وخطط مدروسة. وإذا كانت مثل هذه الذكرى تعيد للشعب السعودي أمجاده التاريخية، فإنها تحل وقد انخرطت المملكة في تأكيد الخيارات الأساسية التي كرّسها «نظام الحكم»، وما فتحه من آفاق المشاركة الفعالة أمام المواطن لترسيخ النموذج السعودي المتميز في توطيد صرح الدولة العصرية، المتشبعة بقيم الوحدة والتقدم والعدل والإنصاف والتضامن الاجتماعي، الوفية لهويتها العريقة. ويُكرَّس لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية، ومساواة الرجل والمرأة في الحقوق الشرعية، وفي نطاق احترام أحكامه، وأنظمة البلاد المستمدة من الشرع الحنيف. كما يُكرِّس لضمان شروط المحاكمة العادلة، وتجريم التعذيب والاختفاء القسري، والاعتقال التعسفي وكل أشكال التمييز، ويضمن حرية الرأي والتعبير، ويشدد على ترسيخ سلطة واستقلالية القضاء، وصيانة حرمته، وتجريم كل تدخل في شئونه. كما يشدد على تمكين الشباب من فضاء مؤسسي للتعبير والنقاش، والمشاركة، لتمكينهم من المساهمة، بروح الشورى والمواطنة لبناء وطن ينعم أهله بالسعادة والوحدة والأمن والعدل والاستقرار.
كما اتسمت هذه المرحلة الجدية في عهد الملك سلمان -وفقه الله- بانخراط المملكة في إصلاحات اقتصادية عميقة لتعزيز البنيات التحتية، وتوفير المناخ الملائم لتحفيز الاستثمار، علاوة على نهج سياسة للتأهيل الاجتماعي، وتعزيز دور العمل الاجتماعي والتنموي بإطلاق المبادرات الوطنية، لمحاربة الفساد والإقصاء والتهميش والفقر وغيرها. وقد ظل الملك سلمان -ينصره الله- منذ توليه، حريصاً على الاهتمام بهموم المواطنين بجميع فئاتهم؛ من خلال الوقوف الميداني على ظروف عيشهم والتجاوب السريع مع مطالبهم.
خلال عام من الحكم والإصلاحات تمكّن الملك سلمان -وفقه الله- من جعل محاربة الفساد وترسيخ العدالة في مقدمة الأولويات الإصلاحية، كما أطلق الفعاليات التنموية في المناطق والمحافظات والمراكز والقرى والأرياف وحتى الهجر، ليكون تفعيلها كفيلاً بإحداث تغيير جوهري وتدريجي في تنظيم هياكل الدولة. كما انكبّت المملكة، في هذا العهد الميمون، على تفعيل مبدأ التنظيم، لتحقيق تنمية بشرية عادلة ومنصفة، كفيلة بالتصدي للعجز الذي يعوق التنمية المستدامة. وقد حرص -يحفظه الله- على جعل العنصر البشري، خاصة فئة الشباب، في صلب كل المبادرات التنموية، وهو ما تجسد في مختلف مشاريع وبرامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ولا شك أنّ هذا الاهتمام والحرص والعناية التي يحيط بها -أيده الله بنصره- كافة أفرد شعبه ومختلف مناطق المملكة، إنما هي استمرار لعقد الوفاء والإخلاص بين الملك والشعب، وترجمة ملموسة لرمزية ذكرى توليه الحكم، في مثل هذا اليوم المبارك، وإذا كان الملك والشعب قد كتبا معاً صفحات خالدة في سفر تاريخ الوطن الحديث، فإنهما يكتبان اليوم، بالمداد ذاته، أمجاد وطن الغد؛ وطن العدل والكرامة والتضامن وتكافئ الفرص والازدهار، وطن الحزم والعزم والإرادة، وطن الأمن والسلام والاستقرار.
في عهد الملك الحازم سلمان، وولي عهده، رجل الأمن الأول، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف، وولي ولي العهد، وزير الدفاع، الشاب الطموح المقدام، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -نصرهم الله- وضعت المملكة المستقبل في صلب إستراتيجيتها، واختارت من أجل ذلك، سياسة لتشجيع الاستثمار، وترشيد الإنفاق، واقتصاد المعرفة، والبحث عن بدائل للبترول، كمصدر وحيد للدخل، كما انخرطت المملكة بإرادة قوية في دعم البحث العلمي والابتكار، والرفع من قيمتهما عبر مشاريع طموحة ومدرّة للقيمة المضافة، وإحداث نقلة نوعية وتحولات إستراتيجية غير مسبوقة في مختلف المجالات التنموية، والتي ستضع المملكة -بإذن الله تعالى وتوفيقه- في مصاف الدول المتقدمة في المستقبل القريب.
لقد خاض الملك سلمان -سلمه الله- أميراً وملكاً، تدريجياً، ثورة هادئة من أجل بناء مجتمع ووطن قوي ومتماسك وعادل، يمكن كل مواطن ومقيم وزائر من الاطمئنان فيه على صون كرامته وحقوقه كاملة، والعيش على ترابه في رغد وأمن وأمان واستقرار، وأنجز في عام، ما لم ينجز في أعوام، وما يعجز الكاتب عن حصره في مقال؛ من حيث القوة والعزة والكرامة والحزم والعزم، ومن حيث الإصلاحات، ونصرة قضايا الأمتين العربية والإسلامية، وغيرها، مما هو ليس بمستغرب على قائد فذ، وحاكم حازم، تربّى في بيت الساسة، وعرف السياسة وعرفته منذ أن عُين نائباً لأمير الرياض عام 1373هـ، ثم أميراً للرياض لمدة دامت أكثر من نصف قرن، ثم وزيراً للدفاع، ثم ولياً للعهد، فملكاً.
في الختام ليس لنا في مثل هذه الذكرى العزيزة؛ مرور عام على تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز مقاليد الحكم في البلاد، إلا أن نرفع التهنئة لخادم الحرمين الشريفين، خادم الشعب، الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وولي عهده، وولي ولي العهد، وحكومتنا الرشيدة، وك افة أفراد الشعب السعودي يديم علينا نعمه التي لا تعد ولا تحصى، وأن يمن على ملكنا المفدى بالصحة والتمكين والنصر المؤزر، والعمر المديد في طاعة الله، وأن ينصر جيشنا البطل، وكل من تحالف معه، ويحفظ رجاله الأوفياء المخلصين.. ودام عزك يا وطن!