يذهب العالم الإيطالي (توليو) إلى اعتبار أن لكل فرد تكوين شخصي يشمل في آن واحد العناصر الوراثية والعناصر المكتسبة خصوصاً في مرحلة الطفولة، بيد أن هذا التكوين يكون لدى البعض أضعف،
مما يجعلهم أكثر عرضة للإجرام، وبمعنى آخر فإنه يفسر استجابة بعض الأفراد للجريمة دون البعض ورغم وحدة الظروف الخارجية، لوجود ميل سابق للإجرام لدى هؤلاء الأفراد، ويعود ذلك نتيجة لما يتسمون به من صفات نفسية وعضوية خاصة؛ وراثية أو طبيعية أو مكتسبة، ومن شأن توافر هذه الصفات أن تنمي قوى الذات الغريزية الطبيعية، وبالتالي يصبح الفرد أكثر استعداداً لارتكاب الجرائم إذا توافرت مؤثرات خارجية بسيطة. وبدون هذا التكوين الإجرامي -أصيلاً كان أو عرضياً- لا تحدث الجريمة، بصرف النظر عن العوامل الاجتماعية الأخرى، ومن هذا التحليل للشخصية الإجرامية، يمكننا معرفة بعض الملامح الشخصية الإجرامية للدواعش.
الدواعش مجرمون، حياتهم وأفكارهم وأهدافهم وأحلامهم واتجاهاتهم وتوجهاتهم غير عقلانية؛ يغلب عليها الإحساس بالشذوذ والحدس والحكم على الآخرين بسرعة، والتفكير والاتجاه نحو الذات، والأمور الخاصة، والانفعال والنزعة للتطرف والانشغال بأحلام خاصة ومشاعر «سويعاتية» مع الأخذ ببعض المفاهيم الدينية، كغطاء سياسي.
الدواعش أناس محبطون يغلب عليهم الشعور باليأس والفشل، مما أدى إلى سلوك عصابي استفزازي قادهم إلى التدمير والعدوان، والشعور بالدونية المملوء بالعقد النفسية، وخاصة ما يتعلق بالعنصر الاقتصادي؛ فهم ضعيفو الإنجاز، إمكاناتهم محدودة، دائمو التذمر والغضب والانفعال، يكسرون كل ما حولهم ويدمرونه، ابتداء من انفسهم وانتهاء بالغير!
الدواعش لهم شخصية مغرورة لا يرون أحداً أفضل منهم في العالم أجمع، يريدون أن يمتلكوا العالم، أو أن يقصونه عن وجه الأرض دون وجه حق، وهم منطوون على ذاتهم، يدمرون أنفسهم بأفكارهم المعادية للبشرية وللحياة، مجرمون إذا واجهوا كانوا كالإعصار يقتل كل ما حوله دون تفكير أو سبب، ويميلون إلى القتل والتعذيب بوصفه غاية في حد ذاته؛ غاية لا تجري متابعتها من أجل الدفاع عن الحياة ولكنها في ذاتها سارة ومستحبة لشخصيتهم التدميرية، ولعل السلوك الذي يمتاز بالعنف والتدمير في الإدارة الداعشية ناتج عن الشعور بالملل والضجر والحياة الفارغة من كل معنى، والظروف المحيطة الاقتصادية والاجتماعية والأسرية، وكما أسلفنا شعورهم باليأس والإحباط والاكتئاب والحزن هي الطرق الواسعة للتعويض والتي تتخذ شكلاً سلبياً من الإنجذاب نحو الجرائم والحوادث المميتة والمشاهد الأخرى من سفك الدماء والقسوة والعنف التي تمثل الغذاء الأساسي الذي تتغذى عليه داعش وتقدمه لمنتسبيها.
الدواعش ليس لهم أي اهتمام بأي شيء؛ جامدون عاطفياً، لا يشعرون بالفرح، ولكنهم في كثير من الأحيان متبلدو المشاعر، لا يشعرون بالحزن أو الألم؛ فهم لا يشعرون بشيء، فالدنيا عندهم غبشاء والسماء ليست زرقاء، وليست لديهم شهوة الحياة، وكثيراً ما يكونون أمواتاً أكثر منهم أحياء، وفي بعض الأحيان يدركون هذه الحالة بدقة وألم، وفي العادة يغلب عليهم كبت ما يشعرون به ولا يعترفون به، ويريد معظمهم أن يظهروا طبيعيين أمام الآخرين!
الدواعش يحبون القسوة وسفك الدماء بالمعنى المجازي والحرفي للكلمة يتلذذون بتعذيب الآخرين وبآلامهم، حتى تؤدي بهم إلى النشوة والسعادة ولو كانوا هم جزء من هذا العذاب، وهناك أكثر من مثال على الأفعال الإجرامية الداعشية في العراق وسوريا التي شاهدها العالم بأسره حية على الهواء وبشكل مباشر تثبت ذلك!
الدواعش لديهم نزعة تدميرية انتقامية واسعة الانتشار على الصعيد الفردي والجماعي «الثأر» والثأر سلسلة لا نهاية لها من القتل العقابي، كما يتصفون بالسادية والتناقض الواضح بين الواقع والصورة، فهم ساديون لا يرحمون وجبناء، ولكنهم يعتمدون صورة الرجل اللطيف والموالي والشجاع والمسلم المخلص لدينه...الخ
الدواعش من مشاهدتي لصور بعضهم أتخيل أن لهم سماتاً تتمثل في عدم انتظام شكل الجمجمة وضيق الجبهة وضخامة الفكين، وبروز عظام الخد، وشذوذ تركيب الإنسان، والزيادة الملحوظة أو النقص الملحوظ في حجم الأذن، وفرطحة أو إعوجاج الأنف، والزيادة المفرطة في مقاييس بعض الأعضاء كطول الأذرع والأرجل والأصابع، وعيوب في التجويف الصدري وغزارة الشعر في الرأس والجسم، كما أنهم يتميزون ببعض الملامح السلوكية الخاصة بهم؛ كانعدام الشعور بالشفقة وسهولة الاستثارة والغرور والاندفاع، وانعدام أو ضعف الإحساس بالألم، وإن مبعث إجرامهم هو الجنون بكافة أنواعه، حيث يرتكبون الجريمة تحت تأثير المرض العقلي مثلهم مثل المجرم الهستيري ومدمن المخدرات، والمصاب بالصرع. وقد نجد بينهم من ولد دون أن يتصف بصفات المجرم المطبوع أو بالفطرة وإنما اكتسب بعض نزعاته الإجرامية وميوله الإجرامي نتيجة للظروف المحيطة به (إجرام مكتسب). ولذلك يرتكبون الجريمة لأسباب عاطفية، ويتمتعون بحساسية بالغة لا يمكن مقاومتها، كالحماس الزائد، أو الغيرة المفرطة.
الدواعش بلا شك خطر يهدد الأمن والسلم العالميين، ويجب التصدي لهم وأن تكون نهايتهم مزبلة التاريخ كغيرهم من المجرمين، والعالم الحر لن يسمح لمثل هؤلاء الدواعش بالانتشار والعبث بأمن وسلام واستقرار الشعوب. وإن وضع الجنس البشري اليوم أشد خطورة من أن نسمح لأنفسنا بالاستماع إلى الدواعش المنجذبين إلى التدمير والرجوع بالبشرية إلى عصور التخلف والظلام، وواجب الجميع التصدي لداعش في الشام وخلاياها النائمة في كل مكان بكل ما نملك من فكر وسلاح، حتى يعيش العالم بأمن وسلام وحرية، وإن غداً يا داعش لناظره قريب..!