د. محمد بن يحيى الفال
العاصمة الرياض على موعد هذه الأسبوع مع توافد رؤساء دول ورؤساء حكومات 34 دولة للمشاركة في القمة العربية اللاتينية في دورتها الرابعة والتي ستعقد في العاشر والحادي عشر من شهر نوفمبر الجاري, وستشارك في المؤتمر كل الدول العربية الاثنين والعشرين واثنين وعشرين دولة من أمريكا اللاتينية على رأسها البرازيل، الأرجنتين وفنزويلا. ومن المتوقع أن يصدر عن القمة العربية اللاتينية إعلان الرياض الذي سيضع الأسس والمسارات لتعاون حقيقي ومثمر بين كل من العالم العربي وأمريكا اللاتينية. فكرة هذا التجمع الهام والذي يؤمل منه الكثير ولديه مساحات شاسعة لم تستغل بعد بالشكل المطلوب لتعزيز التعاون بين العرب وأمريكا اللاتينية جاءت من رئيس البرازيل السابق لويس لولا دي سيلفا والذي احتضنت بلاده القمة في دورتها الأولى في شهر مايو 2005م.
العاصمة القطرية الدوحة استضافت الدورة الثانية في أواخر شهر مارس للعام 2009م، واحتضنت العاصمة البيروفية، ليما الدورة الثالثة في شهر أكتوبر 2012.
ولعل السبب الرئيس من عدم تفعيل التعاون بين العرب وأمريكا اللاتينية والذي بدأ قبل عشر سنوات منذ انعقاد الدورة الأولى مرده أعضاءه بالعديد من المشاكل السياسية والاقتصادية والتي شهدتها المنطقة العربية كثورات الربيع العربي والتي مازالت أحداثها مستمرة كما هو الوضع في سوريا وليبيا وإن كان بشكل أقل حدة مما هو الحال في سوريا، وكذلك انشغال المنطقة العربية بمكافحة التطرف الديني الذي يرى العالم ويشهد أبشع صورة في تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية للعراق والشام (داعش).
كذلك فقد انشغلت دول أمريكا اللاتينية هي الأخرى بمشاكل عديدة بعضها سياسي يتمثل في التوتر المستمر بين الحكومة والمعارضة في فنزويلا، وبعضها اقتصادي كما هو الحال في البرازيل والأرجنتين حيث واجهت اقتصادياتهما مشاكل عديدة ومزمنة. ومع أن العديد من المشاكل خصوصاً الاقتصادية مازالت مستمرة، فهي على أقل تقدير ليست بالحدة التي كانت عليه في سابق عهدها. وكما يقال بأنه من رحم الأزمة تلد الحلول، هو ما يجعل هذه الدورة من التعاون العربي اللاتيني مهمه جدا ويؤمل منها أن تضع تصورا واضحا وقابلا للتنفيذ من أجل تعاون حقيقي وملموس بين الدول العربية ودول أمريكا اللاتينية.
إن نجاح أي تعاون بين الدول في عصرنا الحالي منطلقه الأول والمحرك لإشعال فتيلة وقوده هو الجانب الاقتصادي، فبناء تعاون اقتصادي ذو بنية سليمة وصحيحة كفيل أن يعزز بقية مسارات التعاون في المجالات الأخرى كالثقافة، الرياضة والسياحة.
عليه فإنه من الضرورة بمكان وليكتب النجاح للتعاون العربي اللاتيني بالتركيز على تقوية التعاون الاقتصادي بين الطرفين، ومن العوامل التي من المؤكد بأنها ستكون مساعدة لتعزيز التعاون الاقتصادي هو أن كل الدول العربية تعتبر مازلت دول نامية، وكذلك هو الحال مع دول أمريكا اللاتينية والتي وإن كانت في مجمل دولها مازالت نامية فإن لها استثناءات في تجارب ناجحة مازالت مستمرة للقفز من تصنيف الدول النامية للدول الأكثر تقدماً وكما هو الحال في التجربتين البرازيلية والأرجنتينية حيث ينمو الاقتصاد بسرعة وبتطور واضح في كافة المجالات في هذين البلدين، ويمكن من خلالهما نقل تجاربهم إلى الدول العربية الراغبة في الاستفادة من تجاربهما في تعزيز التنمية المستدامة والتي هي الوحيدة القادرة على بناء اقتصاد سليم قادر على المنافسة وله القدرة كذلك على استحداث وظائف باستمرار، وكذلك بقيمة مضافة تتلخص في المرونة على التغلب على الأزمات الاقتصادية مهما استفحلت وأضحت مزمنة. ويعزز تفاؤل إمكانية نجاح التعاون الاقتصادي بين المجموعة العربية واللاتينية هو أن كل من دولة الفكرة البرازيل ودولة الانطلاق الحقيقي للتعاون والتكامل الاقتصادي المملكة، كلاهما عضو لأهم مجموعة اقتصادية دولية وهي مجموعة العشرين، التي تضم الدول الأكثر تأثيراً في اقتصاد العالم.
ولجعل التعاون الاقتصادي حقيقة واقعة على أرض الواقع فلابد من ضخ استثمارات معتبره بين الجانبين، ومثلاً في الحالة السعودية البرازيلية، يمكن لهما التعاون في قطاع البتروكيماويات والذي استثمرت فيه المملكة مبالغ ضخمة وبخبرة واسعة يحتاجها الاقتصاد البرازيلي، وفي مقابل ذلك يمكن للمملكة الاستفادة من خبرة البرازيل في إقامة مشاريع الصناعات الصغيرة والمتوسطة والتي يحتاجها أي اقتصاد يرغب في خلق تنمية مستدامة وفي تنويع مصادر إيرادات ميزانيته. ويمكن تطبيق نموذج التعاون السعودي البرازيلي المنوه عنه سابقاً على أوجه التعاون بين دول المجموعة العربية اللاتينية كل دولة حسب احتياجاتها وما تتميز به.
كذلك فمن الأهمية أن يواكب اللقاءات السياسية بين مسئولي المجموعتين معرض اقتصادي يقام بالتناوب في أحد دول المجموعتين لتعريف رجال الأعمال والشركات العاملة في دول المجوعتين بفرص التعاون والاستثمارات بينهما، على أن يقام هذا المعرض كل سنتين على أقل تقدير لإعطاء المناخ المناسب والضروري للدفع بالتعاون الاقتصادي بين دول المجموعتين نحو أفق أرحب وبالسرعة المرجوة.
وتواجه المجموعة العربية اللاتينية أيضاً عوائق أخرى غير العوائق الاقتصادية لتعزيز التعاون بينهما تتمثل في البعد الجغرافي والحاجز اللغوي بين المجموعتين، وهذان العائقان يمكن التغلب عليها بسهولة لو صدقت النوايا في تعزيز التعاون بينها وهو أمر أضحى يؤخذ بنطاق واسع من الاهتمام من قبل سياسيي ورجال الأعمال في المجموعتين. العالم العربي يواجه مشاكل عدة ولعل أهمها زيادة عدد السكان وتحديات الانتقال من المجتمع الزراعي الريعي إلى مجتمع صناعي أو شبه صناعي على أقل تقدير، وأمريكا اللاتينية لديها تجربة ناجحة وما زالت تنمو في التحول من المجتمع الزراعي للمجتمع الصناعي وتحتاج لإنجاح تجربتها إلى استثمارات بخلت بها عواصم العالم الأول خوفاً من المنافسة وتستطيع الحصول عليها من خلال تعاونها مع العالم العربي. عليه فكل المؤشرات تؤكد بأن التعاون بين دول المجموعة العربية اللاتينية هو تعاون ناجح لا محالة وسوف يعود بالخير والرفاهية على شعوبهم. وفي الحديث عن الشعوب يعرف عن دول أمريكا اللاتينية وكذلك حكوماتها التأييد غير المشروط لحقوق الشعب العربي الفلسطيني، ولم تستطع كل الضغوطات الدولية من تغير موقف هذه الشعوب والحكومات تجاه القضية العادلة لشعب فلسطين، الذي أضحى الشعب الوحيد في العالم الذي مازال يئن تحت ظل الاحتلال الإسرائيلي الجائر.
كذلك فإن شعوب أمريكا اللاتينية والتي تدين في غالبيتها بالديانة المسيحية لديها تفهم لسماحة الدين الإسلامي وأخلاقياته، وفي هذا الصدد ذكر لي صديق يعيش في حي غالبية سكانه من المهاجرين العرب واللاتينيين بالقرب من العاصمة الأمريكية واشنطن، بأن الكثير منهم تحولوا للدين الإسلامي بما رأوه من حُسن معاملة جيرانهم المسلمين وابتعاد أبنائهم عن تعاطي الكحول والمخدرات وهي من المشاكل التي تعاني منها الجالية اللاتينية الساكنة في ذلك الحي، ويزيد بأن حتى أبناء المسلمين غير الملتزمين لفتوا الانتباه إليهم وذلك بأنهم ومع ارتيادهم للملاهي الليلية مع أقرنائهم وأصدقائهم من اللاتينيين كانوا يتوقفون عن ذلك عندما يحل شهر رمضان المبارك، وكان هذا الفعل يثير إعجاب اللاتينيين، والذين عرفوا أن السبب هو احترام حتى غير الملتزمين لدينهم الذي يحرم شرب الكحول وتعاطي المخدرات وقدرتهم على التغير متى وجدوا سبباً نقبله النفس البشرية عن قناعة. كلها رسائل كانت ذات دلالة لهم هم أيضا على القدرة على التغير للأفضل.
تستقبل عاصمة المملكة بكل الحب والترحيب بقيادة أحد أكثر السياسيين خبرة ومعرفة بشئون بلاده وبشئون العالم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ضيوفها من الأشقاء العرب والأصدقاء الكرام من دول أمريكا اللاتينية في الدورة الرابعة للقمة العربية اللاتينية، وكل الأنظار متجها إليها ولإعلان الرياض المرتقب عن القمة لوضع النقاط على الحروف لتعاون حقيقي بناء، وهادف بين دول المجموعة العربية اللاتينية.