د. محمد بن يحيى الفال
ما يشد الانتباه منذ انطلاق عملية عاصفة الحزم التي وضعت هدفاً محورياً لها يتمثَّل في عودة الشرعية لليمن من خلال تفاهمات سياسية بين كافة الأطراف السياسية اليمنية، هو التزام قيادة المملكة العربية السعودية بطريقة قلَّ نظيرها بتطبيق أقصى المعايير الأخلاقية التي تفرضها القوانين الدولية خلال الحرب، وقبل ذلك تطبيق المعايير الشرعية التي تُلزم المملكة نفسها بها في كل تعاملاتها مع كافة الشئون، خارجية كانت أو داخلية. أول هذه المعايير أن المملكة والتحالف
العربي لم يتدخل في اليمن إلا بعد أن طلبت الحكومة الشرعية ذلك، وبعد أن تم استيفاء كافة الحلول السلمية التي حاولت إخراج اليمن من محنته بدءاً من المبادرة الخليجية المدعومة دولياً، وانتهاءً بتوصيات مؤتمرات الحوار الوطني اليمني، مروراً بالجهود الأممية لهيئة الأمم المتحدة وممثلها جمال بن عمر. ما سلف ذكره هو غيض من فيض من السعي الحثيث والدءوب الذي قامت به المملكة لتفادي نشوب الحرب، بادئ الأمر، ولكن التطورات على أرض الواقع والتي شهدت تطوراً من قِبل عصابة الحوثي - صالح لفرض الأمر الواقع على الفرقاء اليمنيين والاستيلاء على السلطة بالقوة المسلحة بدعم من ملالي طهران، وهو الشيء الذي أكدته تقارير محايدة عدة ومنها تقارير الأمم المتحدة التي أشارت إلى أن الحوثيين تلقوا شحنات من كافة أنواع الأسلحة من طهران وعلى مدار سنوات.. وبعد أن استعرت الحرب التي أشعلتها مكايد عصابة الحوثي - صالح، وبرغم صدور قرار من أعلى سلطة أممية والمتمثلة في مجلس الأمن الدولي والذي طلب من عصابة الشر في اليمن وقف العمليات العسكرية والانسحاب غير المشروط من كافة المدن اليمنية المحاصرة والمحتلة من قبلهم وعلى رأسها العاصمة صنعاء، وذلك تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يُجيز التدخل العسكري، وبرغم القرار الأممي الداعم لعاصفة الحزم، أعلنت المملكة وفي بادرة تدل على نبل أهدافها تجاه اليمن وأهله، أعلنت وقف العمليات العسكرية وبدء عملية إعادة الأمل والتي تهدف إلى تكثيف العمليات الإغاثية للمدنيين اليمنيين وتجنيبهم ويلات الحرب.. ولتعلن المملكة عن بادرة ذات مغزى لا تتخطاها العين عن تأسيس مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، ووضع المركز شأن إغاثة اليمنيين في الداخل والخارج والذين تقطعت بهم السبل بسبب الحرب على رأس قائمة اهتماماته. وسبق إطلاق المركز تقديم المملكة منحة عاجلة بمبلغ 174 مليون دولار من أجل عمليات الإغاثة الملحة والتي تحتاج لتدخل سريع، ومثّلت المنحة وبالمصادفة المبلغ الذي طالبت به الأمم المتحدة، وأعقبت المملكة هذه المنحة مباشرة بالتبرع بمبلغ مليار ريال إضافية لتفعيل جهود الإغاثة في اليمن.. وفي مقابل جهود المملكة الخيّرة لتخفيف مأساة الصراع العسكري على المدنيين اليمنيين وسجلها الأبيض في هذا المجال.
ولعل من أوضح الشواهد التي تعبِّر بصدق عن التزام قيادة المملكة بأخلاقيات الحرب إطلاقها لحملة لتصحيح أوضاع اليمنيين الذين يقيمون في المملكة بصورة غير نظامية، وهدفت المملكة من هذا الإجراء الإنساني التخفيف عليهم من أضرار الحرب وحتى لا تضع على كاهلهم أعباء إضافية تؤرّق حياتهم وهم يرون بلادهم تتخطفها قوى الشر المتمثلة في عصابة الحوثي - صالح.. ويوضح هذا الموقف النبيل للمملكة مدى التزامها بعرى الأخوة الإسلامية والعربية والمعايير الدولية للتعامل مع المدنيين في أوقات الحرب، معايير لا تلتزم بها أحياناً دول لها باعها وإرثها التاريخي في الديمقراطية وحقوق الإنسان.. فالتاريخ يحدثنا بأن الولايات المتحدة الأمريكية عندما تعرضت لهجوم من قِبل اليابان على ميناء بيرل هاربر في هاواي في السابع والعشرين من شهر ديسمبر 1941، أصدر الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت قراراً رئاسياً يحمل الرقم 9066، خوَّل فيه وزير حربه باستخدام كافة الوسائل التي تضمن أمن أراضي ومواطني الولايات المتحدة.. وكعادة العسكريين في التفسير الصارم للتعليمات التي تصدر لهم قام وزير الحرب الأمريكي باحتجاز مئات الآلاف من الأمريكيين من أصل ياباني من نساء وأولاد ورجال، في معسكرات اعتقال كإجراء احتياطي.. ولتعود الولايات الأمريكية لتصحح هذا الإجراء بعد سنوات من انتهاء الحرب، حيث أكد الكونجرس الأمريكي فى جلسة خاصة عام 1981، بأن ما تعرض له الأمريكيون من أصل ياباني، واليابانيون المقيمون في الولايات المتحدة إبان الحرب ظلم فادح، وليوقع الرئيس ريجان قانوناً رسمياً يعتذر فيه لكل اليابانيين الذين تعرضوا للحجز القسري بسبب الحرب، وتم تعويض كل فرد من الأحياء منهم بمبلغ عشرين ألف دولار.. ولينتهي الفصل الأخير من هذه الحادثة في يناير 1998، حيث منحت الولايات الأمريكية الياباني فرد كوريماسو، الميدالية الرئاسية للحرية حيث رفض التوقيع على محاضر الشرطة اليومية التي كان يُطالب بها اليابانيون في الساحل الغربي للولايات المتحدة.
ونرى في مقابل سجل المملكة الناصع البياض تصرفات عصابة الحوثي - صالح الغارقة في الوحشية والهمجية، وإضافة إلى أن إستراتيجيتهم العسكرية ركزت جُل أهدافها على التنكيل الفظيع بالمدنيين ومحاصرة وقصف المدن الآهلة بالسكان والتي لم يستثنوا فيها حتى المستشفيات، فهم تعلموا من أسيادهم وعرابيهم من ملالي طهران ما كانوا يفعلون إبان الحرب العراقية - الإيرانية بالزج بالأطفال في أتون النزاعات العسكرية، ولتنقل لنا صور وكالات الأنباء العالمية أطفالاً لا تتجاوز أعمارهم العاشرة، وهم مدججون بالأسلحة تم الزج بهم في حرب لا يعرفون من أبجدياتها سوى ما غُسلت به أدمغتهم الغضة من عصابة الحوثي - صالح وبأنهم يقتلون أعداء الله، وبأنهم هم من يمثِّل أنصار الله، كذباً وعدواناً وزوراً.. وتفننت وتعلمت كذلك عصابة الحوثي - صالح في تقليد ممارسات الإسرائيليين أصدقاء عرابيهم من ملالي طهران، وذلك في استخدام معارضيهم كدروع بشرية ليتم تقييدهم في مخازن أسلحتهم والتي هي أهداف مشروعة لغارات طيران قوات التحالف العربي.. وفي خطوة أخرى توضح تقليدهم لأفكار القمع الإسرائيلية نراهم يفخخون بالمتفجرات منازل معارضيهم السياسيين وينسفونها.. كذلك فلم تسلم منازل سياسيين وعسكريين معارضين من النهب المُمنهج وتعريضهم للاختفاء القسري، والذي شمل الكثير من الصحفيين العاملين في كافة وسائل الإعلام اليمنية.. كذلك نرى بجلاء خلفهم للوعود والمواثيق في حنثهم لكل العهود والاتفاقات مع الجميع، بما في ذلك نكثهم لهدنتين إنسانيتين مع الأمم المتحدة للتخفيف على المدنيين المتضررين، بل زادوا في غيهم بأن وقّتوا لهذه الهدنات للحصول على مكاسب عسكرية على الأرض بتصعيد عملياتهم العسكرية ضد المدنيين العزل والمحاصرين.
شتان بين سجل المملكة في الالتزام بأخلاقيات الحرب من منطلق ديني وإنساني وبين جرائم عصابة الحوثي - صالح، فرق بين الثرى والثريا، فرق بين من يفكر بمنطق الدولة التي تحرص على كافة تصرفاتها وأفعالها سواء كان ذلك في زمن السلم أو زمن الحرب، وبين عصابة لا ذمة ولا عهد لها، وكما وصفها أحد المحللين السياسيين اليمنيين وصفاً دقيقاً بأن أفرادها يكذبون كما يتنفسون.