العقيد م. محمد بن فراج الشهري
حماية الأوطان شرف لا يعادله شرف, والذود عن حياض الوطن من أنبل وأقدس المهمات التي يكلف بها الجنود.. وإلا فما فائدة الإعداد والتدريب لسنوات طويلة داخل وخارج الثكنات العسكرية, إن كل ما تتلقونه وما تلقيتموه من تدريب في وقت السلم هو إعداد لمثل هذه الأيام التي تخوضون فيها معارك الشرف والرجولة, عن حدود الوطن ضد البغي والعدوان.. والحرب لن تزول من الدنيا, أو تخف حدتها أو تحصر ويلاتها, ذلك أنها بكل ما فيها من مرارة وألم, وبكل ما تنطوي عليه من قسوة وبطش وإخلال بالأمن والسلام, سر من أسرار الحياة, وجوهر من جواهرها, لأن الحياة هي الحركة, والحركة هي التي تحول المادة وتغيرها, بما تحدثه من احتكاك وصدام, وصراع مستمر.. ولذلك يجب أن نكون على أهبة الاستعداد وما تعلمناه أثناء التدريبات في السلم يجب أن يطبق بحذافيره في الحرب, وإذا طبقنا ما تعلمناه من دروس بشكل متقن فستكون التكلفة أقل في الأنفس, والعتاد فنحن في مهارة الميدان تعلمنا بندًا رئيسيًا نعمل من خلاله وهو (قطرة من العرق أثناء التدريب الاعتيادي تمنع قطرات من الدم أثناء المعارك الحقيقية) وأنتم تلقيتم ما يكفيكم من التدريب القتالي على كافة المستويات بما في ذلك القتال في المناطق الجبلية وهو بند من بنود مهارة الميدان والتكتيك أو (التعبئة) الذي تم تدريسه وتدريبه لكم, لأن القتال في المناطق الجبلية يحتاج إلى تدريب شاق ومتقن وقد تلقيتم الكثير من النظريات والأمثلة ممن خاضوا المعارك الجبلية في الحروب القديمة والحديثة, فلقد استطاع قادة الحرب إحراز قصب السبق قبل زمن طويل من تعامل علماء الطبوغرافيا والجيوستراتيجيا مع الجبال فهم بحكم معاناتهم القاسية, ومن خلال خبراتهم المكتسبة والمتراكمة, استطاعوا التمييز الواضح بين الجبال, كما هو الحال الآن بما تشاهدونه في الحد الجنوبي فهذه المرتفعات والرواسي ليست متساوية في أحجامها, ولاهي متعادلة في طبيعتها, ولاهي متماثلة في خصائصها ومميزاتها, فهنالك الجبال ذات المنحدرات الحادة, والمرتفعات الشاهقة, وهناك الجبال المتقطعة التي هي اقرب إلى التلال منها إلى الجبال, وهناك الجبال المكسوة بالغابات, والتي يصعب معرفة مجاهيلها واكتشاف مضامينها, إلى الجبال الجرداء المحرومة من الغطاء النباتي, وكذلك الجبال المتداخلة. إذاً فقد يكون من طبيعة الأمور أن تباين طرق التعامل مع الجبال في الأعمال القتالية هو بحسب خصائص تلك الجبال وممزاتها الطبيعية والصناعية وما يتوفر لها من المحاسن والمساوئ للأعمال القتالية الهجومية, أو الدفاعية الثابتة وهو ما تقومون به الآن, سواء في الظروف الطارئة أو المستمرة ولذلك, يجب أن تتعاملوا مع كل منطقة في هذه المناطق الجبلية بمعزل عن الأعمال الأخرى, إلا أن هنالك قواسم مشتركة ومبادئ عامة تنطبق على معظم الأعمال القتالية في الجبال ولعل من أكثرها أهمية بحسب تجارب الحروب ما يلي:
- خداع النظر وصعوبة التقدير.
- ضيق أفق الرصد, ووفرة المباغتات.
- صعوبة اختيار محاور العمليات.
- صعوبة الأعمال القتالية الجبلية.
- ضرورة التحصين الهندسي للأرض.
- التنظيم الإداري والإمداد.. ولا شك أنكم قد تدربتم على كل هذه البنود واستوعبتموها في التمارين الاعتيادية أو المشاريع التعبوية وبقي التطبيق الذي لا يقبل الأخطاء, ولو أننا لا بد أن نذكر حقيقة أن القوات الجبلية لا بد أن تكون ذات تسليح خاص, وتجهيز يتناسب مع طبيعة الجبال, وأن نتذكر جيدًا ما تعلمناه وما طبقناه في المشاريع التعبوية وقت السلم ونأخذ دروسا وعبرامن القوات التي مارست مثل هذه الأعمال القتالية في الحروب القديمة, والحديثة, ولنأخذ مثالا على ذلك حيث عرفت السنوات الأخيرة من القرن العشرين عددًا من الحروب المحدودة التي كانت مسارح عملياتها الرئيسية مقترنة بالأعمال القتالية الجبلية, وكان من أبرزها الحرب الأفغانية الروسية (1981-1990م) وحربي الشيشان الأولى والثانية (1992-1994م) و (1990-2001م) وكذلك حرب البلقان (أو حرب كوسوفو 1990م) وجاءت مسيرة الأعمال القتالية لهذه الحروب وتطوراتها ونتائجها بمثابة تأكيدات حديثة لخلاصة المبادئ والأسس والأساليب الخاصة بقتال الجبال.. وقد تم لكم ضرب العديد من الأمثلة في تدريباتكم العسكرية ولديكم من الضباط المؤهلين الذين هم على أعلى مستوى في مجال الخطط والعمليات, أو في مجال مهارة الميدان, وحتى حرب العصابات والقتال في المناطق المبنية, وأنتم أيها البواسل تدربتم على كل هذه الأساليب, حتى تكونوا في مثل هذه الأيام في قمة الاستعداد للذود عن حياض الوطن, ونحن معكم بقلوبنا وأفئدتنا, نتوجه إلى الله في كل يوم بالدعاء لكم بالنصر المؤزر على كل باغٍ خبيث يحاول النيل من تراب هذا الوطن أو زعزعة أمنه.. تدربنا سنين وصرفت الدولة مليارات لتأهيلنا لمثل هذه المواقف, قدمت لنا كل شيء الرواتب والحوافز والانتدابات والابتعاثات, والرعاية الطبية والإسكان, وزودتنا بكل ما نحتاج ونحن في ثكناتنا وداخل الوطن في أفضل حالات الأمن والأمان, إلا يجب أن يأتي اليوم الذي نرد فيه جزءا من حقوق الوطن علينا.. هذا هو اليوم وهذا الوقت الذي يحتاجنا فيه الوطن لنكون شوكة في حلق كل معتدٍ أو متطاول على تراب هذا الوطن, إذ إن وطنا لا نحميه لا نستحق العيش فيه.. مقولة تستحق منا الوفاء.. وأن نقدم كل ما نملك من عزائم وإصرار وكفاح لنصرة الدين والوطن وولاة الأمر والمواطن.. حتى لا يتجرأ كائن من كان على بلادنا وحدودنا فنكون دائمًا عيونا ساهرة لكل حركة على حدود الوطن ونسأل الله لكم النصر المؤزر, وثقوا أنا مكم بقلوبنا وأفئدتنا وبالدعاء المستمر لكم بالنصر والسداد.. فأنتم على قدر المسؤولية والشهادة في سبيل الله ثم الوطن لا يعادلها كرامة ولا فخر قال تعالى في كتابه الكريم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (محمد:7/8) وقال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} (60:الأنفال) حفظكم الله بحفظه وكفانا وكفاكم شر كل معتد وما النصر إلا من عند الله.. نسأل الله تعالى أن يعيدكم سالمين غانمين منتصرين رافعين راية السلام في كل موقع.. وأن تكون حدودنا آمنة مطمئنة بفضل الله ثم بفضل شجاعتكم واستبسالكم سيروا على بركة الله وعين الله ترعاكم..