عبدالعزيز السماري
الكارثة هي المأساة التي تحدث من صنع الإنسان، والكوارث ينظر إليها على أنها نتيجة لإدارة المخاطر بشكل غير لائق، وهذا ما حدث على وجه التحديد في كارثة مستشفى جيزان، وكنت أتمنى أن لا يتحدث معالي وزير الصحة بتلك الفزعة التراثية في ثقافة العرب على طريقة شيخ القبيلة الذي يضرب بيده على صدره، ويقول لأهالي الضحايا «أنا المسؤول الأكبر وحقكم عندي..».
فالقضيه فيها تفاصيل لا يمكن إغفالها «بطقة صدر»، وفيها تبرز أحد أوجه الفساد الإداري في الهرم الإداري المركب، والذي اعتاد أن يعمل وعيونه إلى أعلى، ولو كان ذلك على حساب حقوق المواطنين، هكذا كان تصريح معالي وزير الصحة، فهو ينظر إلى أعلى في تغريدته، لأنه يدرك أن المواطنين ليس بمقدورهم محاسبه المسؤول.
أخطر التفاصيل في كارثة جيزان تم تداولها في الإعلام وتستدعي التحقيق العاجل، ويأتي في أعلى قائمة التفاصيل أن خطاباً قبل أربع سنوات من الدفاع المدني تم إرساله للمسؤولين يوصي بعدم فتح مستشفى جازان العام، كما كشف تقرير سابق للدفاع المدني بمنطقة جازان أصدر قبل افتتاح المستشفى عام 1433، وطلب عدم افتتاح المستشفى حتى استيفاء اشتراطات السلامة، وأكد التقرير على ضرورة عدم فتح المستشفى حفاظاً على سلامة المرضى والمراجعين والعاملين، وأن استمرارها سيسبب كارثة، حيث تضمن التقرير عدداً من النقاط ذات الأهمية والخطورة وتبلغ 15 ملاحظة.
في التفاصيل أيضاً أن الدفاع المدني قد حذر منسوبي الصحة ومدير المستشفى قبل ثلاثة أسابيع، بضرورة عمل صيانة للأسلاك المكشوفة التي تقع خلف الديكورات بالدور الأول، محذراً من كارثة في حال التهاون في هذا الأمر، كما تم تحذيرهم من خزان البنزين القريب من البوابة الريئسيه لوجوده بمكان خاطئ، وتفشي الأسلاك داخله بطريقة خاطئة وطلب منهم نقله لمكان آخر أشد أمناً.
في التفاصيل لا يمكن إغفال خبر إقالة أحمد علي صم بسبب نزاهته ورفضه افتتاح المستشفى، وإحضاره للتقرير الذي أثبت وجود عدة ملاحظات ويجب أن تحل قبل الافتتاح، وبعد أن وقف في وجه المسؤولين بعدم افتتاح المستشفى أنهوا تكليفه كمدير للأمن والسلامة وأعادوه إلى قسم المختبرات الطبية وحصلوا على الموافقة من جهات عليا وافتتحوا المستشفى الكارثي، لتحصل الكارثة، مؤكداً بأن هناك مستندات سيظهرها كاملة في وقتها.
في التفاصيل كوارث إداريه كانت خلف الكارثة الإنسانية في مستشفى جيزان، والتي تعد صورة متكررة لما يحدث كثيراً في إدارات المستشفيات المتضخمة، فالهرم الإداري الصحي يقوده نظام إداري خارج الزمن، فالمدير العام يتحكم في مختلف التقارير، ويفصل أو يبعد من يرى غير ذلك، فهو يتصرف على أنه الحاكم المطلق في المؤسسة، ولهذا السبب تحدث الكوارث بعضها يظهر في صورة حريق، لكن الخافي أعظم، فالكوارث لها وجوه متعددة.
سبق أن تناولت سبب فشل وزراء الصحة المتكرر في مقال سابق «لماذا يفشلون في وزارة الصحة؟»، إذ لا يمكن أن تُدار الخدمات الصحية الضخمة من خلال قرار مركزي، وتحتاج إلى تفكيك وتوزيع المسؤوليات، وترك مهمة الوزارة في إعداد إستراتيجيات الصحة والطب الوقائي وإدارة الكوارث وصحة الحج، وأن تكون المنطقة مسؤولة عن مختلف التفاصيل في الخدمة الصحية.
لذلك لا يجب أن تنتهي الكارثة في تصريح معالي الوزير بإعلانه تحمل المسؤولية، ويجب أن تدخل المحاسبة في مختلف التفاصيل، وأن تعود إلى الخلف وإلى مختلف الجهات المسؤولة، ومعرفة لماذا تم افتتاح مستشفى فيه خلل واضح في نظام الأمن والسلامة؟!، وكيف تم إهمال الخلل في الإدارات المتوالية على وزارة الصحة، والتي وصلت إلى سبع وزراء في عامين.!.
أخيراً نحن في حاجة ملحة جداً إلى حملة وطنية شرسة ضد الفساد الإداري على مختلف المستويات، تماماً مثلما هي الحمله الناجحة ضد الإرهاب، فالضحايا الذين قضوا في الحالتين هم مواطنون، والدماء التي سالت بسبب الإرهاب لا تختلف في براءتها عن الأجساد التي احترقت أو غرقت في جدة أو جيزان، وكوارث جيزان وجدة يتحملها الفساد الإداري.