د. محمد عبدالله الخازم
أرحب في البداية بمعالي الدكتور أحمد العيسى وأهنئه على الثقة الملكية بتعيينه وزيراً للتعليم. نعول كثيراً بإيجابية هذا الاختيار وفق معطيات سيرته وخبراته التي نتجاوز سردها، تجنباً للحرج في مدح المسؤول قبل رؤية فعله. المتطلبات كثيرة والمقترحات كثيرة ولن نستطيع حصرها- فاق ما كتبته في مجال التعليم 400 مقال- لكن ربما تكون الأولوية هي إعادة هيكلة الوزارة الناشئة عن دمج وزارتين، التربية والتعليم والتعليم العالي. رغم مرور أشهر عديدة منذ قرار الدمج، لا تزال الرؤية غير واضحة، على الأقل كمتابعين من بعيد، حول آلية الدمج.
وباعتبار قرار الدمج لا رجعة فيه فقد لاحظت أن الغالبية يذهبون نحو فكرتين للهيكلة؛ إما الدمج الكامل بحيث يكون هناك وكالة تعليمية واحدة ووكالة إدارية واحدة ووكالة للتقنية واحدة وتتولى جميع الأعمال التي تخص التعليم العام والتعليم العالي، وقد بدأت الوزارة ببعض ذلك في توحيد الشؤون المالية، ولكنها اكتشفت أن هناك متطلبات تخص التعليم العام لا تعني التعليم الجامعي أو العكس، فلم تواصل دمج مختلف الإدارات...
التوجه الثاني وهو الأسهل ويستوحيه البعض عطفاً على تجربة وزارة التربية عندما قامت بدمج تعليم البنين والبنات فأصبح لها نائبان للوزير أحدهما لشؤون البنين والآخر لشؤون البنات. هذا التوجه يقترح إيجاد نائب وزير معني بالتعليم العالي وآخر معني بالتعليم العام، وربما ثالث معني بتعليم النبات. ويتبع ذلك التدرج في دمج الإدارات المشتركة على خطة طويلة المدى، بدلاً من الدمج المباشر. التعليم العام لم يدمج بشكل كامل تعليم البنات مع تعليم البنين إدارياً، رغم مضي أكثر من عشر سنوات على قرار دمج تعليمي البنات والبنين.
أود هنا طرح وجهة نظر مغايرة للفكرتين أعلاه و ملخصها هو البدء في دراسة مهام الوزارة وبالذات شقها المعني بالتعليم العالي - بحكم وضوحه- وإخراجها تنفيذياً من مظلة وزارة التعليم. على سبيل المثال لدينا الابتعاث وما له علاقة كالملحقيات يمكن إخراجه ليكون تحت هيئة/ إدارة مستقلة، مرتبطة بالوزير في مجلسها الأعلى ومثله معادلة الشهادات يمكن استقلالها أو جعلها ضمن هيئة الابتعاث (سبق أن طرحت رؤية مفصلة في هذا الشأن) وكذلك مجلس أو هيئة التعليم الجامعي، كما هو حاصل مع هيئة الاعتماد ومركز القياس وهيئة التقويم. تلك الهيئات لن تكون مكلفة مادياً فالقوى البشرية والمقرات التي تملكها الوزارة تستوعب كل ذلك وتفيض. للتوضيح، فقد حصل ذلك في الإعلام والتجارة والصناعة وغيرهما من الوزارات التي قلصت أعمالها المركزية عن طريق تأسيس هيئات مستقلة. على سبيل المثال أسست هيئات للتلفزيون والإذاعة و الإعلام المرئي ووكالة الأنباء والكهرباء والمدن الصناعية والاستثمار وغيرها. هنا سنقلص أدوار الوزارة التنفيذية المتعلقة بالتعليم الجامعي لتصبح مجرد أدوار استراتيجية متمثلة في رئاستها أو مشاركتها في مجالس هيئاتها العليا وسنمنح تلك القطاعات حيوية ومرونة إدارية أفضل.
الجامعات يفترض استقلالها بشكل أكبر ولا بأس من إيجاد مكتب تنفيذي مؤقت لمدة ثلاثة أو أربعة أعوام لدعم الجامعات الناشئة ريثما تصل مرحلة الاستقلالية في شؤونها ومشاريعها المختلفة. هذه الفكرة أو بعض منها سبق أن طرحته لوزارة التعليم العالي قبل دمجها مع وزارة التربية، وأكررها بعد دمج الوزارتين...
أما بالنسبة لشق التعليم العام فليس أفضل من منح صلاحيات تنفيذية واسعة للمناطق التعليمية ولا مانع من تقليص عددها، باعتبار بعض المناطق صغيرة غير مؤهلة إداريًا للاستقلالية التنفيذية. كما يمكن البدء مرحلياً عبر استقلالية المناطق الكبيرة، أولاً.
دور الوزارة يجب أن يقلص في الجانب التنفيذي ويزيد في الجانب الإستراتيجي والمراقبة.
أعلم بأن معالي الدكتور العيسى حديث عهد في منصبه وكان يجب الانتظار في الكتابة عن التعليم، حتى يتم التعرف على خطواته الوزارية الأولى، لكنني أبادر بطرح الفكرة من باب المشاركة في العصف الذهني حول آليات الدمج والهيكلة، متمنياً التوفيق لمعاليه في مهامه الجديدة.