فضل بن سعد البوعينين
اتفقت جماعات الإرهاب؛ القاعدية منها والداعشية؛ على ضرب الاقتصاد؛ واستهداف منشآت النفط والغاز وأنابيب نقلها؛ والمجمعات البتروكيماوية؛ وجعلها هدفًا رئيسًا لعملياتها الإرهابية. معامل الغاز؛ النفط؛ والبتروكيماويات كانت أيضًا هدفًا لعمليات «حزب الله الحجاز» المسؤول عن تفجير مجمع «صدف» البتروكيماوي العام 1988م في الجبيل.
استهداف الاقتصاد كان ضمن جرائم بعض من نفذ بهم حكم القصاص يوم السبت الماضي؛ حيث أكَّدت وزارة الداخلية سعيهم ضرب الاقتصاد الوطني؛ واستهداف «مصفاة بقيق»؛ والشروع في تفجير «شركة أرامكو السعودية» وعدد من المنشآت النفطية، وتنفيذ عدد من عمليات السطو المسلّح على مصارف ومحالّ تجارية، وجمع أموال بمبالغ ضخمة وتوظيفها داخليًا وخارجيًا لغسلها، ولتمويل الإرهاب والعمليات الإرهابية؛ والدعوة لإشاعة الفوضى والتحريض على أعمال العنف والتخريب، وإثارة الفتنة وإذكائها.
تدمير الاقتصاد هو هدف الإرهاب الرئيس. النجاح في تنفيذه يعني بداية نشر الفوضى التي خطط لها الغرب وإيران بعناية؛ منذ أوجدهم تنظيم القاعدة؛ وتوجيهه نحو أهدافهم المرسومة. اعتمدت الاستخبارات الغربية على جماعات الإرهاب لتحقيق هدفين رئيسين؛ الأول ضرب الاقتصاد وإشاعة الفوضى في الداخل؛ والثاني إلصاق تهمة الإرهاب بالمملكة.
لم تكن عمليات مكافحة الإرهاب؛ والقضاء على الإرهابيين؛ ومحاكمتهم؛ والاقتصاص منهم وفق أحكام شرعية عادلة هدفًا للغرب؛ الذي اعترضت بعض دوله على تنفيذ حكم الشرع في المجرمين؛ بل كان هدفهم الأسمى دفع المملكة نحو دائرة الفوضى؛ والبدء في تقسيمها؛ والسيطرة على مقدراتها وتدنيس مقدساتها. الأمر عينه ينطبق على النظام الإيراني المحرك الرئيس للإرهاب في المنطقة؛ الذي سمح لحرسه الثوري بمهاجمة سفارة المملكة وقنصليتها؛ بعد تنفيذها حكم القصاص بالمجرمين.
ردود أفعال الغرب وإيران والعراق على حكم القصاص من المجرمين كانت منسجمة في مضامينها الطائفية؛ الرافضة لتحقيق العدالة؛ والمشككة في القضاء؛ والمنتقصة من السيادة؛ والمثيرة للفتنة؛ والمحرضة على أعمال العنف والمواجهة. يبدو أن وزارة الخارجية الألمانية تناست استهداف دبلوماسييها بطلقات نارية في العوامية حين انتقدت تحقيق العدالة والاقتصاص من بالمجرمين؛ الأمر عينه ينطبق على الحكومة الأمريكية التي تناست رعاياها الذين قتلتهم يد الإرهاب؛ ومثلت بجثثهم في عمليات إرهابية بشعة. الإعلام الغربي كان أكثر وقاحة من البيانات الدبلوماسية حين كشف عن وجهه البشع؛ ونواياه الخبيثة المحرضة على السعودية ومؤسسات الحكم؛ القضاء؛ والأمن. تجاهلهم جرائم الإرهابيين البشعة؛ ومحاولة تبرأتهم وتصويرهم على أنهم محكومي «رأي» لا قضايا إرهاب وجرائم قتل؛ يصب في خدمة مخطط الغرب الإستراتيجي الموجه نحو إثارة الفتنة؛ ونشر الفوضى؛ ودعم الإرهاب في المنطقة.
يبدو أننا قصرنا كثيرًا في الجانبين الإعلامي؛ والدبلوماسي في قضايا الإرهاب والاقتصاص من الإرهابيين؛ في مقابل التركيز بشكل أكبر على الجانبين الأمني والقضائي؛ ما أدى إلى تلقينا هجمات إعلامية ممنهجة لإثارة الرأي العام العالمي؛ والتشكيك في عدالة القضاء؛ وآليات التقاضي. أصبح نمر النمر؛ في عيون الغرب مصلحًا؛ ومفكرًا؛ وهو المجرم الذي تخابر مع دولة أجنبية؛ وقبل بالعمالة لها؛ وحمل السلاح؛ وشكل خلايا إرهابية في العوامية؛ وطالب بانفصال المنطقة الشرقية؛ وتطبيق ولاية الفقيه الصفوية. لم ينبر إعلامنا؛ ولا سفراءنا؛ أو ملحقياتنا الإعلامية في الخارج لتوضيح تلك الجرائم النكراء. ولم نستغل شركات العلاقات العامة والإعلام لإظهار الجانب الآخر من القضية وهم ضحايا الإرهاب ومنهم غربيون كثر. لو استغلت تصريحات الساسة الغربيين الرافضة لأحكام القصاص من خلال حملات إعلامية يشترك فيها أهالي الضحايا المكلومون لأحدثت تغييرًا كبيرًا في المشهد الغربي الذي يخشى الداخل لا الخارج.
نحن في أمس الحاجة لتفعيل دور المملكة الإعلامي على أسس منهجية محترفة قادرة على التعامل مع الإعلام؛ والمجتمعات الغربية بكفاءة. شكل وزير الخارجية عادل الجبير؛ حين كان سفيرًا في الولايات المتحدة الأمريكية؛ جبهة إعلامية شاملة نجحت في التعامل مع ملف اتهام المملكة بالإرهاب؛ وإفشال المخطط الصهيو أمريكي الرامي إلى إدانتها دوليًا. بقليل من العمل الإستراتيجي المنظم؛ يمكن إيجاد مجموعات سعودية محترفة قادرة على استنساخ الدور الإعلامي المتميز الذي قام به (السفير) الجبير في أمريكا. لدى المملكة أكثر من 140 ألف مبتعث ومبتعثة في الخارج؛ تشربوا ثقافة الدول التي تعلموا فيها؛ وأتقنوا لغتهم؛ حتى أصبحوا قادرين على لعب الدور الإعلامي المأمول. وأكثر من ذلك أن تقوم الحكومة بابتعاث مجموعة من الشباب والشابات المتميزين إلى دول العالم بغرض تجهيزهم لإدارة منظومة إعلامية وعلاقات عامة تتولى مسؤولية الدفاع عن المملكة وحماية مصالحها وحقوقها. أحسب أن ضعف تأثيرنا الخارجي يعود إلى غياب الإستراتيجية الإعلامية الكفؤة؛ وعدم امتلاكنا لأدوات التأثير الإعلامي القادرة على صد الهجمات؛ والتأثير على المجتمعات بطريقة احترافية.
للإعلام قوة ناعمة ومؤثرة؛ وهو قادر على إحداث التغيير الأكبر في الدول والمجتمعات؛ وحماية المكتسبات؛ ودعم السياسات الخارجية والداخلية؛ ومواجهة الهجمات المنظمة الهادفة لتدمير المجتمعات والدول. الإعلام لا يقل قوة وتأثيرًا عن الجيوش المجهزة بالأسلحة الحديثة. إعادة تقييم موقفنا الإعلامي؛ ووضع إستراتيجية إعلامية شاملة وداعمة لجهود المملكة بات مطلبًا ملحًا لا يحتمل التأجيل.