فضل بن سعد البوعينين
تعمد شركات القطاع الخاص؛ بشكل دائم ومكثف؛ إلى مراجعة المصروفات؛ وتكلفة المشروعات؛ في حال انخفاض الدخل لضمان خفض الانعكاسات السلبية على الأرباح الصافية، ونسبة النمو. «وقف الهدر» من المعايير المهمة في القطاع الخاص، والمحققة لكفاءة الإنفاق؛ في الوقت الذي تحفز فيه الإدارات موظفيها على الإبداع والابتكار وبما يضمن تحسين الأداء التشغيلي وخفض التكاليف وزيادة الربحية.
الأمر عينه ينطبق على الحكومات التي يفترض أن تسعى دائماً إلى ترشيد العمل الحكومي، تحقيق النزاهة، ومكافحة الفساد. تقلص الدخل؛ وزيادة الاحتياجات التنموية والالتزامات المالية، يجعل الحكومة أكثر حاجة إلى وضع معايير صارمة للإنفاق لضمان جودة المخرجات؛ وتحقيقها المنفعة الكلية لكل ريال يُنفق من الخزينة العامة. تضخم الملاءة المالية؛ وتراكم الإنفاق العام التوسعي، قد يتسببان بتهميش معايير الرقابة الصارمة المحققة للكفاءة والجودة والنزاهة في آن. وبسببهما قد تشيع ثقافة الهدر؛ واللامبالة في التطوير وخفض التكاليف وتحقيق الجودة، خاصة مع غياب المحاسبة ومؤشرات القياس. الدخل المحدود ينمي ملكة الإبداع والتدبير، في الوقت الذي تتسبب فيه التخمة المالية بنشر ثقافة الهدر واللامبالة. تسببت أسعار النفط المنخفضة بتقلص الإيرادات بنسبة تزيد على 50 في المائة، ووضعت الحكومة أمام تحدي الدخل الذي لم يعد متوافقاً البتة مع احتياجاتها الرئيسة، ما دفعها نحو التفكير في مصادر دخل بديلة، وتنويع الاقتصاد للانعتاق التدريجي من الاعتماد على إيرادات النفط؛ إضافة إلى ترشيد الأداء الحكومي ومكافحة الفساد.
ترشيد الأداء الحكومي؛ وتحقيق كفاءة الإنفاق من الأدوات المهمة لمواجهة مخاطر انخفاض الدخل. أزعم أن وقف الهدر قادر على معالجة جانب مهم من معضلة الدخل الحالية؛ وهو أمر يمكن تحقيقه من خلال الرقابة وقياس الأداء، إضافة إلى تحفيز الموظفين الحكوميين على الإبداع لتحقيق الجودة وخفض التكاليف بوسائل التحفيز المطبقة في القطاع الخاص. تكريم الإبداع والمبدعين من أدوات تحسين الأداء الحكومي غير المفعلة بعد. والتكريم يعني المشاركة الحقيقية في عوائد النتائج الإيجابية المحققة مالياً ومعنوياً.
في لقاء الأمير سعود بن نايف، أمير المنطقة الشرقية، بمنسوبي الهيئة السعودية للمهندسين، تحدث الدكتور جميل البقعاوي رئيس مجلس الإدارة؛ عن جهود منسوبي الهيئة في تحسين الأداء؛ وتقليص التكاليف وجودة المشروعات، وأشار إلى بعض المهندسين السعوديين ممن كان لهم الفضل؛ بعد الله في توفير مبالغ طائلة؛ بسبب إبداعاتهم وابتكاراتهم المتميزة. كانت لفتة جميلة من رئيس مجلس الإدارة حين ذكر أسماء المبدعين، وأشار إلى إنجازاتهم التي لم تظهر للإعلام من قبل. وكانت لفتة مشهودة وحكيمة من سمو الأمير سعود بن نايف الذي التقط تلك الكلمات العابرة، واستثمرها لإقامة تكريم خاص لأولئك المبدعين الذين أسهموا في تقليص التكاليف وتوفير أكثر من ملياري ريال على الشركات الحكومية.
المهندس إياد البصراوي، نجح في توفير 180 مليون ريال لمصفاة رأس تنورة؛ في الوقت الذي نجح فيه المهندسون؛ عبدالله البيشي؛ إبراهيم الملحم؛ سعيد القحطاني؛ خالد الجمعة بتوفير ما يقرب من ملياري ريال للشركة السعودية للكهرباء؛ من خلال ابتكاراتهم المؤثرة. تُرى كم من المبدعين لدينا ممن طوتهم ذاكرة النسيان؛ أو تجاهلتهم إداراتهم فتسببوا في إحباطهم، وحرمان الوطن من إبداعاتهم. وكم من المليارات التي يمكن توفيرها في القطاع الحكومي إذا ما نشرت ثقافة الجودة، الإبداع، والنزاهة فيه؟!.
التكريم المعنوي جزء مهم من أدوات تحفيز الموظف على الإبداع؛ غير أن التكريم المالي المتوافق مع قيمة الإنجاز؛ ربما كان المحفز الأكبر للمبدعين في القطاع الحكومي، الذي ينتهج المساواة بينهم وبين الخاملين؛ والمتسببين في الهدر المالي؛ أساساً للتقييم!. وأكثر من ذلك؛ قبول القطاع الحكومي التعايش مع الفاسدين ممن يحملون الدولة تكاليف باهظة؛ ويتسببون في رداءة المخرجات؛ والإضرار بمنظومة العمل الحكومية.
يدفع مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بقوة نحو ترشيد الأداء الحكومي ومكافحة الفساد ووضع معايير لقياس الأداء من أجل تحقيق كفاءة العمل؛ وخفض النفقات؛ وهو أمر غاية في الأهمية، وكل ما أتمناه أن يقوم المجلس بتكريم المبدعين؛ والمحققين لمعايير النزاهه؛ وجودة المخرجات وإشراكهم في النفع المالي الذي يحققونه، واستثمارهم في مراكز قيادية لنشر ثقافة الإبداع والابتكار والجودة كمكافأة لهم على ما قدموه من عمل مخلص وأمانة وإنجاز.