فضل بن سعد البوعينين
تعتبر السياحة جسراً آمناً لنظام إيران الباحث عن مواقع متقدمة في دول إسلامية تحقق له الأهداف الصفوية الإستراتيجية التي تعتمد السيطرة على المجتمعات، ومؤسساتها المدنية، التجارية، الأمنية، والسياسية، منهاجاً لها.
إستراتيجية التغلغل الإيرانية نجحت في لبنان، العراق، اليمن، وبعض دول إفريقيا وآسيا، إضافة إلى إحدى الدول الخليجية التي تعاني اليوم من انتشار غير مسبوق لمجموعات إيرانية توشك أن تطبق قبضتها على مفاصل الاقتصاد، الأمن، الإعلام، والمجتمع. وفي مصر، كادت إيران من خلال اتفاقيات السياحة التي وقّعتها مع الرئيس السابق محمد مرسي، أن تصل إلى مفاصل الدولة والسيطرة على مؤسساتها المدنية، بعد تمكنها من إنشاء المراكز الدينية، الثقافية، والخيرية، التي تعتبر نواة السيطرة على المجتمعات. السياحة، كانت غطاء وهمياً لربط مصير مصر العروبة يإيران الصفوية، وبما يسمح للنظام الإيراني بالتأثير والتحكم مستقبلاً في المنطقة، وإضعاف دور الدول العربية وقدرتها على المواجهة.
وفي تونس، وقَّعت وزيرة السياحة التونسية مؤخراً اتفاقًا مع نائب رئيس الجمهورية الإيرانية، مسعود السلطاني، لتسهيل الحركة السياحية، وإقامة مشاريع استثمارية، ومساعدة وكالات السفر على تصميم برامج سياحية وتبادل الخبرات. أكثر من 10 آلاف سائح إيراني متوقّع وصولهم إلى تونس تحت غطاء الاتفاقية السياحية الجديدة. اتفاقيات إيران السياحية ليست إلا غطاء لعمليات استخباراتية أمنية محترفة، وحملات (تبشير) طائفية تسعى من خلالها للتأثير على المجتمعات، والسيطرة عليها وعلى مؤسساتها، وتشكيل المجتمع الموحّد على أسس طائفية، وتفكيكه من الداخل، وخلق قيادات موالية للنظام الصفوي يسهل قيادتها وتوجيهها من الخارج وفق المصالح الإستراتيجية الإيرانية.
المتابع للاقتصاد الإيراني يعلم حجم الكارثة التي يعاني منها وشح السيولة، والعملات الصعبة، وتقلص احتياطيات البنك المركزي، البطالة، التضخم؛ والفقر تسيطر على الاقتصاد الإيراني وتتسبب بمشكلات مجتمعية لا حصر لها، تحد من قدرة الإيرانيين على الهجرة والسفر، عوضاً عن السياحة المرتبطة بالرفاهية. لذا أعتقد أن الزوار الإيرانيين المتوقّع وصولهم تونس، لن تكون السياحة هدفهم، بل التغلغل في المجتمع التونسي ومؤسساته والتأثير السلبي على أمنه القومي ومحيطه العربي.
حزب «تيار المحبة» التونسي، استشعر خطر اتفاقية التعاون السياحي والاستثماري مع إيران، وطالب بإلغائها، واعتبر الاتفاق «خطراً جسيماً على أمن تونس القومي واستقرارها ومستقبلها». دخول إيران تونس تحت غطاء السياحة سيساعدها على غرس بذورها الفاسدة في المجتمع التونسي المتجانس؛ وبما يضمن نشر أفكارها الطائفية، وأعمالها الإرهابية بتغذية محلية محكمة تحسباً لطردها مستقبلاً كما حدث في السودان.
اكتشفت السعودية مبكراً خطر النظام الصفوي على الدول الإسلامية، وحذَّرت منه، واجتهدت في دعم الدول الإسلامية لضمان حمايتها من المخطط الصفوي المشؤوم؛ غير أنها اصطدمت بقوانين دولية حدت من تحركها خلال العقدين الماضيين، وسمحت في الوقت عينه للنظام الإيراني بالتمدد؛ هذا بخلاف توجهات بعض الأنظمة الحاكمة التي كانت تتحرك وفق رؤية حزبية تقدّم فيها مصلحة الحزب على الدولة. يبدو أن المملكة عادت للعب دورها الفاعل في مواجهة الخطر الصفوي، ونجحت حتى الآن في جمع الدول الإسلامية لمواجهة خطر الإرهاب الذي تعتبر إيران مصدراً له.
لن تسهم السياحة الإيرانية في تنشيط الاقتصاد التونسي بقدر ما ستتسبب في مشكلات أمنية ومجتمعية لا حصر لها؛ وخصوصاً أن غالبية السياح سيكونون جزءاً من منظومة الحرس الثوري والاستخبارات الإيرانية. بالإضافة إلى ذلك قد تكون سياحة التونسيين إلى إيران، أو السفر من أجل التدريب على الحرف اليدوية ومنها صناعة السجاد، غطاء لتدريب جماعات تونسية موالية وإعادتهم لتشكيل نواة التغيير في تونس، كما حدث في اليمن من قبل، وكاد أن يحدث في البحرين ومصر. المشكلات الأمنية المتوقّع حدوثها بسبب الاتفاقية السياحية، لن تقتصر على تونس فحسب، بل ستتجاوزها إلى دول المغرب، والدول العربية بشكل عام، ما يفرض عليها، وفي مقدمتها المملكة، التحرك الجماعي لمواجهة الخطر الصفوي في المنطقة.