فضل بن سعد البوعينين
أُسدِلَ الستار على انتخابات المجالس البلدية، وأُعلنت قوائم المرشحين الفائزين في جميع مناطق ومحافظات المملكة. انتهت مرحلة الانتخاب، وبدأت مرحلة العمل للفائزين الذين سوَّقوا لأنفسهم بحملات دعائية، ووعود انتخابية؛ تستوجب الوفاء. لم تخلُ الانتخابات في دورتها الثالثة من بعض الملاحظات التي كان من المفترض تفاديها مع تراكم الخبرات.
شروط الحملات الانتخابية، وتعقيداتها، وعدم وضوحها لكثير من المرشحين، كانت ضمن الملاحظات الرئيسة، بل إن بعضها لم يكن جلياً لبعض مسؤولي الانتخابات الذين عجزوا عن إيصال المعلومة الدقيقة للمتحاورين معهم إلكترونياً، أو بامتناعهم عن الإجابة عن بعض أسئلة المرشحين الذين وجدوا أنفسهم أمام تفسيرات متضاربة حيال بعض الأنظمة.
إرجاع بعض التنظيمات الخاصة بالحملات الانتخابية لموافقة رؤساء البلديات، بدلاً من إحكامها في نظام موحد مكتمل المواد، خلق بعض الإشكالات والتصادمات بين أعضاء البلدية أنفسهم وفِرق المراقبة والمرشحين الذين تعرَّض بعضهم لخطر الاستبعاد بطريقة انتقائية، تعتمد ضبابية بعض مواد النظام أساساً لها. ثقافة بعض المسؤولين عن الانتخابات لم تكن متوافقة مع أهمية الحدث وحساسيته، ومخاطره، خاصة ما ارتبط منها بجانب الإدارة، التوجيه والرقابة. وهو أمر تتحمله وزارة الشؤون البلدية، التي أعتقد أنها قصّرت في أداء دورها التوعوي لمسؤولي الانتخابات والمرشحين على السواء. عدم تحقيق العدالة للمرشحين في النظام الرقابي والجزائي كان ظاهرة في بعض المحافظات التي شهدت مخالفات صريحة لبعض مسؤولي البلدية، والرقابة في تعاملهم مع الناخبين والمرشحين. تبايُن الأداء بين أمانات المناطق يمكن ملاحظته بسهولة؛ ففي الوقت الذي سجَّلت فيه بعض الأمانات الدرجة الكاملة في جودة الأداء عجز بعضها عن تسجيل الحد الأدنى من الكفاءة المطلوبة. تتطلب العمليات الانتخابية وجود فِرق عمل مدرَّبة، وقادرة على التعامل بكفاءة مع شؤون الانتخابات بشمولية، وفصلها التام بين الخلفيات البلدية السابقة، وترسباتها، وبين الانتخابات التي تتطلب النزاهة، العدالة والشفافية.
قضية الاستبعاد المتأخر للمرشحين، لأسباب سابقة لا طارئة، من السلبيات التي أثرت على العملية الانتخابية وعدالتها. أما امتناع لجان الطعون عن تقديم سبب استبعاد بعض المرشحين فكان له التأثير الأكبر على الشفافية، وتسبب في إلحاق الأذى بسمعة المستبعدين، وكبَّدهم خسائر مالية وأضراراً نفسية. من حق اللجنة استبعاد كل مخالف لشروط وأنظمة الانتخابات البلدية، ومن حق المُستَبْعَد أيضاً معرفة الأسباب، ومن حقه أيضاً أن يصدر قرار استبعاده قبل بدء حملته الانتخابية، ما لم يرتكب مخالفة صريحة خلال الحملة أو يوم الاقتراع.
بالرغم من بعض الملاحظات إلا أن العملية الانتخابية مضت بنجاح، وسجَّلت تقدماً ملحوظاً، ومشاركة متنوعة. تطوير نظام المجالس البلدية، وزيادة عدد الأعضاء، وإعطاؤها صلاحيات جديدة، زاد من أهميتها على المستويَيْن، الرقابي والتنموي. وفق التنظيم الجديد، والصلاحيات المحدثة، بات بإمكان أعضاء المجالس البلدية ممارسة الدورين الرقابي والتنموي في آن، وهو ما يبحث عنه المواطنون الذين يشتكون ضعف جودة المشروعات البلدية، وتفاقم الهدر المالي، وعشوائية المشروعات التنموية.
ينتظر الناخبون والمواطنون من أعضاء مجالسهم البلدية تحسين أداء البلديات والأمانات، وتحقيق تطلعاتهم وأمنياتهم، والوفاء بوعودهم الانتخابية. يمكن للمجالس البلدية أن تفعِّل دورها الرقابي والتنموي بما يسهم في تحقيق كفاءة الإنفاق، ورفع معدلات النزاهة، والقضاء على الفساد، واقتراح المشروعات المهمة القادرة على إحداث نقلة نوعية في الخدمات والمرافق، والبيئة بشكل عام. استقلالية المجلس البلدي وأمانته عن البلديات والأمانات، ومنع حدوث تقاطع المصالح، والعمل الاستراتيجي، والقرب من المواطنين والاستماع الدائم لهم، هي الطريق الأمثل لتحقيق كفاءة العمل، وجودة المخرجات، وضمان النجاح - بإذن الله -.