حمّاد السالمي
- تكلمت في مقالي ليوم الأحد الفارط عن أهمية إصلاح التعليم ضمن منظومة مشروع العصر السعودي: (التحول الوطني)، باعتبار التعليم هو حجر الأساس في تنمية الإنسان أولاً ثم المكان.
- هناك عدة زوايا في الإمكان الكلام عليها انطلاقًا من التوجهات التنموية التي ألمح إليها هذا المشروع المهم في
تاريخ الدولة والمجتمع. من أهمها الإدارة العامة التي سوف تقود هذا التطوير على كافة الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومنها على وجه التحديد: إدارة المناطق والمحافظات في عموم المملكة؛ فهي من أهم الأدوات التنفيذية والقيادية بحكم قربها من المراكز الحركية الفعلية، سياسية واقتصادية واجتماعية.
- أرى من الضروري تحديث نظام المقاطعات.. نظام (المناطق والمحافظات)؛ ذلك أنه مرّ عليه خمسة وعشرون عامًا بدون تعديلات تمس جوهر التقسيم الجغرافي والإداري والسكاني على وجه التحديد. إن مراجعة كهذه، تعيد صياغة النظام جغرافيًا وإداريًا وسكانيًا، كفيلة بدعم المشروع المطروح اليوم للتنفيذ.
- عودة إلى ما قبل تسعين عامًا مضت؛ فإن المغفور له (الملك عبدالعزيز آل سعود)، وإثر دخوله الحجاز في بداية تكوين الدولة الجديدة، شرع في ترتيبات إدارية وتنظيمات دستورية تأسيسية مهمة في وقتها؛ فأصدر نظام الانتخابات البلدية في عام 1344هـ/ 1925م، ثم أصدر في عام 1345هـ/ 1926م التعليمات الأساسية للمملكة الحجازية.. تألف بمقتضاها مجلس الشورى، ثم أصدر نظام مجلس الوكلاء في 1350هـ/ 1931م.. وتوالت النظم السياسية والإدارية آنذاك وفق حاجات المملكة الوليدة.
- ومن يقف على التقسيمات الإدارية التي جرت في بدايات تكوين الدولة السعودية يدرك أنها قامت على أسس قبلية وسكانية أكثر منها جغرافية. ويعود هذا إلى دواعٍ أمنية واجتماعية مفهومة ومقدرة في وقتها، ولكن هذه التقسيمات بقيت على حالها حتى مع صدور أنظمة للمناطق فيما بعد؛ فقد صدر نظام للمقاطعات في عهد الملك سعود - رحمه الله - بقرار مجلس الوزراء رقم 419 وتاريخ 13 / 5 / 1383هـ، وتوج بالمرسوم الملكي رقم 12 وتاريخ 21 / 5 / 1383هـ. وظل التوزيع كما هو دون تغيير.
- ثم جاء آخر تنظيم للمناطق بالأمر الملكي رقم أ/ 92 في 27/ 8/ 1412هـ والمعدل بالأمر الملكي رقم أ/ 21 في 30/ 3/ 1414هـ الذي يقسم المملكة العربية السعودية إلى ثلاث عشرة منطقة. وبموجبه تنقسم المنطقة الإدارية إلى إمارة وعدد من المقاطعات - المحافظات - يختلف عددها من منطقة إلى أخرى. وتنقسم المحافظة إلى مراكز ومجمعات قروية، وترتبط المراكز إداريًا بالمحافظة، وترتبط المحافظة إقليميًا بالإمارة. وتشتمل المحافظات على عدد من المسميات السكانية: (مدن وقرى ومزارع وموارد مياه وتجمع بادية).. إلى آخره.
- إنه وخلال هذه العقود التي مرّت على أول تنظيم صدر قبل ستين عامًا، وثانيها قبل خمسة وعشرين عامًا، تغيرت هويات هذه المناطق؛ وتغيرت احتياجاتها؛ وتبدلت أولوياتها؛ وتعقدت مطالبها.. وتضخمت مناطق إدارية، واضمحلت أخرى، بينما بقي النظام على ما هو عليه دون تعديل أو تحديث.
- أعتقد أنه حان وقت التعديل والتحديث؛ فمن المهم اليوم إعادة النظر في التقسيم الجغرافي للمناطق الإدارية، ورفع عدد من المحافظات الكبيرة إلى مناطق؛ فكثير من هذه المحافظات، مثل: (الطائف، الأحساء، تهامة الوسطى، بيشة، حفر الباطن ووادي الدواسر)، وغيرها، كل واحدة منها اليوم هي بحجم بعض المناطق الإدارية الصغيرة، بل أكبر من بعضها بكثير. والمهم أكثر من هذا هو تفعيل دور هذه المناطق في المجالات الإدارية والتنموية، والتخفيف من المركزية؛ لكي تتولى إظهار قدراتها، وتباشر مبادراتها، وتسهم في استثمار مدخراتها وعوائدها المالية، وتعمل على تنمية ذاتها من خلال استقلالية إدارية ومالية مباشرة.
- إن مشروع (التحول الوطني) الذي انطلق قبل عدة أسابيع، والذي جاء مواكبًا لميزانية العام الجديد 2016م، يسعى لتحقيق حزمة من الأهداف المهمة التي حددت في: (السماح للمرأة بالتجارة والعزم على تسهيل الإجراءات بما يحقق تذليل العقبات التي تواجهها وتحفظ حقوقها - فرض ضرائب أعلى على استيراد السجائر ومواد التبغ - إيقاف الدعم الحكومي عن الكهرباء والماء لأصحاب الدخل العالي والتجّار وملاك القصور والمزارع، وحصره على ذوي الدخل المتوسط فما دون - حل أزمة الإسكان - إطلاق حزمة من الإصلاحات الاقتصادية والتنموية - إزالة المعوقات الإجرائية والإدارية والمالية، وتحفيز القطاع الخاص - تنويع الاقتصاد ورفع المحتوى المحلي - تحفيز الاستثمارات ودعم الصادرات غير النفطية، وعولمة المنشآت المحلية، ودعم الاقتصاد المعرفي والابتكار والإنتاجية - التوسع في الخصخصة - تطوير التعليم العام والعالي).
- وفي مراسم إعلان الميزانية العامة للدولة رأينا كيف بدأ العمل في تنفيذ هذه الأهداف المرسومة. على أن تحقيق كامل أهداف المشروع منوط بكامل المؤسسات الإدارية في الدولة، ومن أهمها إمارات المناطق، هذا إذا أعيد النظر في نظامها، ومنحها صلاحيات أوسع، وإنشاء إمارات جديدة، ترفع عن عدد كبير من الإمارات الكبيرة كاهل الأعمال الورقية التي تستنزف الوقت والمال والجهد في قضايا هامشية، وتمنح الفرصة لقياداتها ومجالسها للمشاركة بفاعلية في المواءمة بين القطاعين العام والخاص، وتحقيق أهداف مشروع (التحول الوطني)، الذي هو حلمنا في الوصول إلى تحول حقيقي ناجح عام 2020م.