حمّاد السالمي
«تابعت بكل غبطة وابتهاج؛ ما رشح وانتشر ونُشر عن خطة تطوير مهمة في تاريخ الدولة والمجتمع السعودي تحت عنوان: (التحول الوطني)، وهو المشروع الذي أعلن عنه (سمو الأمير محمد بن سلمان) ولي ولي العهد وزير الدفاع،
وجارٍ تشكيل أطر عامة لخطة تستهدف إعادة تشكيل اقتصاد البلاد لمواجهة هبوط أسعار النفط، فيما سيكون أكبر تغيير للسياسة الاقتصادية للمملكة.
«الأمير الشاب حامل لواء (التحول الوطني)؛ عرض ملامح الاستراتيجية الاقتصادية الجديدة هذه؛ مع عدد من المسؤولين والقياديين الكبار وآخرين من رجال أعمال واقتصاديين. وتتمحور أبرز ملامح برنامج التحول الوطني لقياس أداء الأجهزة الحكومية من خلال 551 مؤشر قياس، حول 17 مكوناً رئيسيًا، يأتي في مقدمها التعليم، والصحة، والإسكان، والعدالة الاجتماعية، إضافة إلى البيئة العدلية، والخدمات البلدية، والبنى التحتية، إذ حُدد عام 2020 موعداً لقياس أداء تنفيذ الخطط والبرامج المطروحة من المسؤولين في الأجهزة الحكومية. وتم تنظيم ورشة عمل خصصت لمناقشة مطولة عن تقويم أداء الوزراء، ورفع كفاءة القطاع الحكومي، والتوسع في الخصخصة، مع إتاحة فرص أكبر أمام مؤسسات القطاع الخاص، بوصفها أبرز المواضيع المطروحة للنقاش، إضافة إلى التركيز على دعم المؤسسات الصغيرة، كما لم يغفل مشروع التحول الكبير؛ مناقشة تفعيل مؤسسات المجتمع المدني، باعتباره رافدًا مهمًا للقطاعات الحكومية. وكان محور المجتمع من أكثر المحاور في عدد المكونات، إذ شمل الإسكان، والتعليم، والهوية الوطنية، والتدريب والتأهيل والتوظيف، والرعاية الصحية، والترفيه والرياضة والثقافة، وبيئة العيش - نمط الحياة - والنقل والبنية التحتية، والعدل والحماية الاجتماعية، وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني، والحج والعمرة.
«يُستفاد مما نُشر حتى اليوم عن مشروع (التحول الوطني)؛ أن أهداف المشروع تتلخص في نقاط محددة تبرز أهميته وما يُنتظر منه اقتصاديًا واجتماعيًا في المستقبل. من هذه الأهداف: (السماح للمرأة بالتجارة وتسهيل الإجراءات بما يحقق تذليل العقبات التي تواجهها وتحفظ حقوقها. وفرض ضرائب أعلى على استيراد السجائر ومواد التبغ. وإيقاف الدعم الحكومي عن الكهرباء والماء لأصحاب الدخل العالي والتجّار وملاك القصور والمزارع، كما سيقتصر الدعم على ذوي الدخل المتوسط فما دون. وحل أزمة الإسكان. وإطلاق حزمة من الإصلاحات الاقتصادية والتنموية. وإزالة المعوقات الإجرائية والإدارية والمالية، وتحفيز القطاع الخاص. وتنويع الاقتصاد، ورفع المحتوى المحلي. وتحفيز الاستثمارات ودعم الصادرات غير النفطية وعولمة المنشآت المحلية، ودعم الاقتصاد المعرفي والابتكار والإنتاجية. والتوسع في الخصخصة. ثم تطوير التعليم العام والعالي).
«مما لا شك فيه؛ أن مشروعًا طموحًا كهذا؛ يشكل تحديًا كبيرًا للحكومة والمجتمع والمسؤولين من الوزراء والمعنيين بتنفيذه. لن تكون مسارات العمل مفروشة بالورود، فهناك الكثير من المعوقات التي يجب تجاوزها، فالتغيير كما هو معروف ظاهرة لا تحظى بالقبول دائمًا بيننا، ولكن مع هذا المشروع الكبير؛ على المجتمع أن ينظر إلى التغيير كونه إنجازًا عظيمًا هدفه مصلحة الوطن والمجتمع، فهو يقترن بحلم ورؤية وطنية يجب أن تتحول إلى حقيقة.
«في ثنايا كلمات سمو الأمير محمد بن سلمان، بدا واضحًا أن التغيير ليس عملية تطويرية فقط، بل هو عملية إصلاح شامل وفق مشروع وطني يستند فعليًا على التكوين السياسي والاجتماعي الراسخ في المجتمع، ولا يكسر أيًا من الأسس والتقاليد والقيم الوطنية، بل يجعلها قادرة على استيعاب التحول بمرونة، بل ينطلق منها نحو عملية إصلاحية جسورة، هدفها الأخير الوطن بجميع مواطنيه، لترسيخ مكانة الوطن سياسياً واقتصادياً.
«مشروع التحول الوطني؛ يراعي دون شك؛ أنه ينطلق في مجتمع يشكل فيه الشباب نسبة تتجاوز الستين بالمئة، لذلك فإنه سوف يدعم وبشكل كبير التحول من مجتمع الرعاية إلى مجتمع العدالة المجتمعية القائمة على توسيع المجال الكمي والكيفي للطبقة المتوسطة في المجتمع، وكما هو معروف أن استقرار الطبقة الوسطى وتوسعها؛ يشكل محور التوازن في استقرار المجتمعات سياسياً واقتصادياً، كما أن الوصول إلى مجتمع العدالة بدلاً من مجتمع الرعاية؛ سوف يساهم في إعادة النظر في تحسين المعادلة الاقتصادية عبر الحد من مجموعات كبار الرابحين ومتوسطي المكاسب، لأن ذلك النهج سوف يساهم في الحد من الكم الهائل من الخاسرين اقتصادياً في المجتمع.
«الأهم من هذا كله؛ أن التعليم بشقيه- العام والخاص- يأتي في صلب عملية (التحول الوطني)، فالنسبة العظمى من تعداد السكان في البلاد هي شبابية، واستهداف هذه النسبة الغالبة بخلق بيئة تعليمية جدية جيدة متكاملة الأركان، هو ما يؤدي إلى جني ثمار جيدة من مخرجات علمية وعملية قادرة على تحقيق مكاسب إيجابية في خطة التحول على المدى البعيد، فالتعليم وحده؛ هو الجهة التي تُجسِّر عبورنا الآمن إلى الضفة الأخرى في تحولنا الوطني الساعي إلى عهد جديد من البناء والتنمية، بسواعد وطنية تتقن المعرفة وتستثمرها في مجالات حياتها.
«إن التحدي الأول في مواجهة مشروع (التحول الوطني) يكمن في التعليم. إذا نجحنا في إصلاح التعليم العام والعالي، ضمنا الاعتماد على جيل معرفي وطني؛ يُشكل جسر العبور الآمن إلى ضفة النجاح الأكبر: نجاح عملية (التحول الوطني).