حمّاد السالمي
- ولعل البعض يقول عني بأني متشائم.. حسنًا، أفضل أن أكون في أحسن حالاتي (متشائلاً). هذه منزلة وسط بين التشاؤم والتفاؤل، ولكن ليس بوسع مراقب مثلي؛ التغاضي عن مؤشرات الخطر المحدق بنا في منطقتنا العربية تحديدًا.
- قال العرب قديمًا: بأن (سوء الظن من حُسن الفطن)، وظني أن المجتمعات الغربية ودولها؛ لن تغفر للمسلمين والعرب على وجه خاص؛ ما جرى ويجري على أراضيها وفي قلب عواصمها ومدنها من عمليات إرهابية شنيعة، أسالت دماء الأبرياء، ودمرت المنشآت، وهددت أمن وحياة البشر، وأدخلت الرعب والفزع إلى قلوب الملايين من الناس. صحيح أننا وهم في (الإرهاب همّ)، وأننا قد عانينا قبلهم ومثلهم وأكثر، ولكن الفاعل منّا مع كل أسف، ولن يكون بوسعنا تقديم دفوعات وحجج أكثر من شراكتنا مع دول الغرب والشرق في التأذي من العمليات الإرهابية، ونكون في أحسن حالاتنا ونحن نشترك مع دول العالم كافة، في الحرب المقدسة على قوى الإرهاب والتطرف، وإذا استطعنا الحد من نشر فكر التطرف والكراهية، ونجحنا في وقف استنساخ إرهابيين جددًا من بين مجتمعاتنا العربية والإسلامية؛ فهذا إنجاز وإعجاز في آن واحد، يضعنا في مكانة أفضل لمواجهة حملات التكريه والتحريض المضادة، والتي أخذت تنمو بشكل لافت في المجتمعات الغربية.
- إن تفجير برجي التجارة في نيويوك في 11 سبتمبر 2001م؛ هو عمل إرهابي احترافي له ثمنه طال الزمن أم قصر، ومثله ما جرى بعد ذلك من تفجيرات إرهابية في باريس ولندن، وفي دول أوروبية كلها لها صلات تاريخية تسلطية في منطقة الشرق الأوسط ومحيط البحر الأبيض المتوسط، وإذا جاءت تفجيرات نيويورك على أيدي إرهابيي القاعدة مؤسِّسَة لما بعدها من عمليات قاعدية أو داعشية، فالنتيجة واحدة على كل حال: المزيد من الكراهية والبغض وتنامي نزعة الانتقام التي بدأت تظهر على ألسنة النخب السياسية والفكرية في هذا الجزء من العالم، الذي احتضن ووطّن عشرات ملايين العرب والمسلمين عندما جفتهم مجتمعاتهم، وضاقت بهم بلدانهم، فخرج منهم ومن أصلابهم من طعن في جسد موطنه الجديد، وهذه الحالة ظاهرة في آلاف المتطرفين العرب والمسلمين الذين انقلبوا على مجتمعاتهم الجديدة في أوروبا وأميركا وروسيا، واختاروا طريق الإرهاب باسم الإسلام، فتسببوا في فرز جديد لم تعرفه المجتمعات الأوروبية من قبل، وصار اسم العربي ودينه من علامات الخيانة والغدر والعنف الذي يجب الحذر منه.
- إن ما يجري من احتراب واقتتال أممي على أرض الشام والعراق؛ هو في شكل من أشكاله، حرب عالمية ثالثة بين قوى إرهابية وجيوش من عدة دول إقليمية ودولية شتى، ومهما طال أمد هذا الاحتراب، فالنهاية محسومة لا محالة، بقطع رأس الإرهاب المتمثل في (دولة الخرافة الإسلامية - داعش)، والسؤال المهم هنا: هل يعود كل شيئ إلى ماكان عليه قبل الحرب..؟ هل تعود هذه الجيوش الجرارة إلى قواعدها في دولها بسلام..؟! أم أن هناك فواتير مرتفعة الثمن سوف تدفعها شعوب ودول المنطقة التي خرج منها مفجروا برجي التجارة في نيويورك، وانطلق منها منفذوا عمليات الإرهاب في باريس وعواصم دول أوروبا وروسيا ودول أخرى في إفريقيا وآسيا وخلافها..؟!.
- نتذكر أن الحرب العالمية الأولى - 1914م - 1918م - بدأت بسبب نزاعات أوروبية أوروبية؛ لكنها ما لبثت أن ضمت إليها في مواجهة الحلفاء؛ الدولة العثمانية التي اختارت أن تقف في صف دول المركز: (ألمانيا والنمسا، وبلغاريا). الدولة العثمانية كانت تهيمن على بلدان عربية وإسلامية كثيرة في آسيا وإفريقيا، ومنها الشام والعراق حيث؛ تُشعل داعش فتيل الحرب الأممية الجديدة من هذه البقعة. دخول تركيا في الحرب أوان ذاك؛ كشف وهنها وضعفها، حتى أطلق عليها الحلفاء لقب: (الرجل المريض)، فتقاسموا بعد الحرب إرثها في الهلال الخصيب من شرقي البحر الأبيض المتوسط فيما يعرف باتفاقية (سايس بيكو) الشهيرة. جرت هذه الاتفاقية عام 1916م، بين الدبلوماسي الفرنسي (فرانسوا جورج بيكو)، والبريطاني (مارك سايكس)، وهي عبارة عن اتفاق وتفاهم سري بين فرنسا والمملكة المتحدة بمصادقة من الإمبراطورية الروسية على اقتسام منطقة الهلال الخصيب بين فرنسا وبريطانيا، لتحديد مناطق النفوذ في غربي آسيا بعد تهاوي الامبراطورية العثمانية المسيطرة على هذه المنطقة، وكانت على صورة تبادل وثائق تفاهم بين وزارات خارجية فرنسا وبريطانيا وروسيا القيصرية أوان ذاك. ولقد تم الكشف عن الاتفاق بوصول الشيوعيين إلى سدة الحكم في روسيا عام 1917م.
- هل يكرر التاريخ نفسه..؟ فنشهد (سايس بيكو جديدًا) بعد هزيمة (الرجل البغيض- داعش) في منطقة الهلال الخصيب..؟! مجريات الأحدث تدفع إلى ما هو أسوأ؛ فالخروج من الحروب ليس مثل الدخول فيها، وجراحات العمليات الحربية والإرهابية لا تندمل بسرعة، والقوى الكبرى تبحث عن مصالحها على حساب الأصغر والأضعف منها في هذا الكون.
- إذا لم تتوقف مصانع إنتاج المنفرين والمكفرين والمفجرين، فإن مساحة الغضب الدولية تتسع، وسوف تحرق الأخضر واليابس، وساعتها لن تفيدنا خطب التكريه والتحريض ضد بعضنا وضد المجتمعات الغربية. سفينة العرب والمسلمين سوف تغرق في بحر من الغضب وحب الانتقام، والمتضرر الأول هم عشرات الملايين من عرب ومسلمي أوروبا وأميركا، ثم يأتي الدور على شعوبنا المرتهنة للإرهاب من جهة، والابتزاز بحجة الإرهاب من جهة أخرى.