حمّاد السالمي
شغلنا أنفسنا طيلة ثلاثة أسابيع مضت؛ بمقطع مصور يعرض موقفاً محرجاً لسيدة سعودية مع أسرتها الصَّغيرة؛ كانت السيدة تتجول في ساحة (القراند) بالعاصمة البلجيكية بروكسل. الزوجة كانت متحجبة، وترتدي النقاب، وتحمل طفلتها في ساحة عامة تكتظ بالناس. فجأة..
حاصرها عدد من أفراد الشرطة البلجيكية، مطالبين بأن ترافقهم إلى مركز الشرطة. من المؤكد أن عدد أفراد الشرطة المدججين بالسلاح؛ بكلابهم البوليسية، وأسلوبهم العسكري في التعامل؛ هذا منظر يفزع الرجال فكيف بالنساء والسعوديات تحديداً، لأن الغالب الأعم في بلادنا؛ أن تتعامل الشرطة مع النساء من خلال الزوج أو أحد الأقارب، والفزع الذي ظهرت مشاهده في المقطع المصور؛ ناتج عن سوء فهم متبادل بين القابض والمقبوض عليه، وتعامل فظ لم نعتده، خصوصاً لسيدة وطفلة. هنا تبرز الفوارق بين الثقافات والقوانين عموماً.
ساحة (القراند) موقع الحادثة؛ هي مكان تجمع للسياح من كل بقاع العالم، وتشهد في العادة حضوراً أمنياً مكثفاً، وكان البرلمان البلجيكي قد ناقش أثر قانون منع النقاب على السياحة، وهو ممنوع نظاماً على البلجيكيات المسلمات أيضاً، وبموجبه تعرضت سيدة بلجيكية مسلمة رفضت خلع النقاب ومرافقة الشرطة وقت تطبيق النظام؛ إلى تعامل جاف، إِذْ سُحبت بقسوة، وكان هذا حال سيدة قطرية تعرضت لموقف مشابه أيضاً في العام الفارط.
خلاصة القول يا سيدات يا سادة: أن لكل بلد في هذا الكون قوانينه المرعية، ولكل شعب وأمة؛ ثقافة وقيم وأخلاقيات، فهذه فرنسا التي يقال: إن الحرية فيها فُصّلت على مقاسها، كانت هي أول دولة أوروبية تشرعن منع النقاب.
ماذا عنا نحن في المملكة العربية السعودية بوجه خاص؛ ودول الخليج بوجه عام..؟
نحن مثل بقية شعوب العالم، لنا ديننا، ولنا ثقافتنا وقيمنا وأخلاقنا، ولنا عادات وتقاليد ونظم نطبقها على أنفسنا، وإذا تجاوز أحد منا أو من غيرنا داخل بلادنا وفي مجتمعنا الخطوط الحمر؛ فمن حقنا الاعتراض عليه ووقفه وتطبيق ما يلزم بحقه.
المجاهرة بالإفطار في رمضان - على سبيل المثال - مخالفة تطبق بحق من يجترحها من الزائرين والعاملين في بلادنا من غير المسلمين، وهذا حقنا لا ينازعنا فيه أحد. ومثل هذا؛ المظاهر العامة وسلوك الناس داخل الأسواق وفي الميادين وخلافه. لو أن سيدة بلجيكية خرجت إلى أسواق الرياض أو جدة وهي متبرجة بما يخدش الحياء وينافي أخلاق مجتمعنا وقيمه وثقافته التي تربى عليها؛ لقوبلت بالرفض والاستنكار، ولوجدت رجال الأمن والهيئة لها بالمرصاد، فالذي وقع إذاً لسيدة سعودية في بروكسل عاصمة البلجيك، هو نفسه الذي سوف يقع لسيدة بلجيكية في ديارنا لو لم تلتزم بقيمنا وأخلاقياتنا وأنظمة بلادنا، فالسيدة السعودية هناك؛ كانت بكل تأكيد تجهل أنظمة بلجيكا، ولو أنها كانت تعرف وتعمدت الخروج عليها؛ فهي إذاً تُجرم نظاماً هناك، وتستحق الذي جرى لها من شد وتفزيع، كونها قاومت وكابرت في موقف لا يحتمل هذا كله.
ومثل هذه الحادثة التي استفزت البعض منا؛ رأينا كيف أن بعض السائحين منا، كانوا يعبثون بالمرافق العامة والحدائق في باريس وبروكسل ولندن وغيرها، يتصرفون وكأنهم في الطائف أو الرياض وجدة، مما أعطى صورة سلبية عن شعبنا كله، وهذه السلوكيات من بعض المسافرين والسياح إلى بلدان العالم؛ يجب أن تتوقف، لأنّها مضرة على المستويات الفردية والجمعية وحتى الدولية.
مرة أخرى؛ فإنه ينبغي علينا احترام ثقافات الشعوب، ومراعاة قوانينها، هذا إذا أردنا الذهاب إليها دارسين أو سائحين أو زائرين أو عاملين، وأن نتفهم الدواعي الأمنية لهذا البلد أو ذاك، خاصة والعالم كله يعاني من الإرهاب والإرهابيين، الذين يفجرون ويقتلون دون وازع من دين أو ضمير أو أخلاق، وإذا أضفنا إلى هذا كله؛ أن أدوات الإرهاب هم ممن ينسب نفسه للإسلام والمسلمين والعرب تحديداً، فالأمر يكون مفهوماً إلى حد كبير عند كل ذي لب، والصورة أوضح أكثر، وفيها رد بليغ على المزايدين الذين يظنون أنهم بما لديهم من وجاهة ومال؛ يستطيعون أن (يبلطجوا) في عواصم العالم على أمزجتهم دون رادع أو محاسب، وأن يفرضوا عاداتهم وتقاليدهم وثقافتهم بقوة المال، ذلك أن الدول التي تشكل وجهات سفر سياحية أو عمل ودراسة في الشرق والغرب، ليست مستعبدة، ووجوه الإرهابيين الذين يظهرون بلحى كثة وعمائم؛ أو يتخفون في ملابس نسائية؛ هم يوحون لملايين البشر، أنهم نتاج ديننا الحنيف البريء منهم، وأنهم منا نحن بني يعرب، الذين يشنون غزوات قتل وتدمير في قلب حضارة الأوروبيين، طالبين جنة النعيم والحور العين..!
أعتقد أن سفاراتنا في الخارج؛ تقوم بواجبها في التنبيه والتحذير برسائل (إلكترونية) تصل إلى الهواتف النقالة لكل سائح أو زائر في محيطها، لكنها قد لا يُنتبه إليها، وقد لا يأخذها البعض على محمل الجد، ولهذا أقترح أن تُعد من قبل سفارات البلدان والخارجية أو الداخلية؛ نشرات توضيحية بنظم وتقاليد كل بلد، تكون جاهزة، وترفق مع جواز سفر كل مسافر من المواطنين من محطة الإقلاع، تتضمن تفاصيل دقيقة عن أهم وأخطر ما يمكن أن يتعرضوا له من مواقف، جراء مخالفة القوانين والتدابير الأمنية وخلافها، وهذا مما يحفظ لهم كرامتهم، ويوفر لهم سياحة آمنة، وزيارة موفقة، وإقامة سعيدة في المجتمعات الجديدة.
أن تكون ممثلاً وسفيراً جيداً لبلدك، احترم الآخر في بلده، واعكس مبادئك وقيمك وأخلاقك، من خلال دينك الذي تمتثل لتعاليمه. ماذا وإلا؛ ابقَ في بلدك، أكرم لك، وأشرف لبلدك.