جاسر عبدالعزيز الجاسر
أشاع نشر تفاصيل ميزانية الدولة لعام 2016م أجواءً مشجعة من الشفافية والحديث بصراحة عن الواقع الحقيقي الذي يعيشه الاقتصاد السعودي.
قيادة المملكة ومن وضعت ثقتها بهم من واضعي موازنة الدولة، والخبراء الذين أعدوا العديد من آليات الإصلاح الاقتصادي وإعادة صياغة عمل المجالس والوزارات والإدارات التي كانت تدير مؤسسات الدولة، هؤلاء ترجموا الرؤية المستقبلية للقيادة والتي وجهت بتهيئة الأجواء والمناخات ووضع آليات وقنوات تكون مهيئة للتعامل مع التوجه الإصلاحي والذي لا يقتصر على تحسين اقتصاد المملكة، بل يتعدى ذلك إلى تطوير سلوكيات وتحسين بيئة العمل في مختلف القطاعات التي لا يمكن فصلها عن التأثيرات الاقتصادية والتنموية الأخرى. إذ لا يمكن فصل الاقتصاد عن السياسة، والأمن عن التنمية، والوضع الاجتماعي وعلاقته الوثيقة بكلا المؤثرين. فالحالة الاجتماعية للدول مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالأوضاع الاقتصادية والحالة الأمنية التي تهيئ مناخات العيش والحياة للمواطنين. ومع أن الرخاء الاقتصادي يريح مواطني أي دولة، إلا أن علماء الاجتماع السياسي يرون أن الرخاء الاقتصادي لا يحقق الهدف المنشود والمتمثل في رفع المستوى الثقافي والاجتماعي للمواطن ما لم يتم ضبط عمليات الصرف وتوجيه الثروة لبناء الإنسان ثقافياً وفكرياً، من خلال تحسين جودة التعليم وتقديم خدمات طبية وصحية وبناء أجواء اجتماعية نقية تلغي الفوارق الطبقية، وذلك من خلال السيطرة على مستوى الإنفاق، والحيلولة دون ترهل المجتمع وإدمان أفراده على الإسراف في استهلاك ما يُقَّدم لهم دون اهتمام بقيمة ما يحصلون عليه.
وتظهر قيمة وأهمية ما يحصل عليه الفرد من أجر، سوءاً عبر ما يحصل عليه من رواتب أو مكافآت أو من أرباح يحققه من خلال عمل خاص، وبين ما ينفقه من مصاريف ضرورية على إعاشة من يعولهم، وما يخصصه للتعليم والصحة، وإلى حدٍ ما تكون النسبة متقاربة بين أبناء الطبقة الوسطى والطبقة الثرية التي تتميز بما تحصل عليه من أموال سواء عن طريق الرواتب أو الأرباح، إلا أن الفارق يظهر في الجوانب الإضافية الأخرى، وهو ما يُصطلح على تسميته بـ»الرفاهية»، أو السلوك الذي يذهب إليه من تفيض الأموال عن حاجته ولا يحسن توظيفها التوظيف النافع، وهو ما يفضح الكثير ممن يلجؤون إلى المظاهر الاستعراضية التي إضافة إلى ما تشكله من استفزاز للغير من أبناء المجتمع الواحد لا تحقق أية إضافة للوطن وحتى للإنسان الذي عادة يكون غير محصن ثقافياً للتعامل مع الثروة الطارئة - إن صح التعبير. وهو ما نراه بوضوح في حالة ثروات لاعبي كرة القدم مثلاً، ليس في السعودية فحسب بل في كثير من الدول، فلاعبو كرة القدم تتجاوز رواتبهم وما يحصلون عليه من مكافآت رواتب ومخصصات العلماء المختصين، فاللاعب الذي يبلغ عقده في العام الواحد خمسة ملايين وحتى ثلاثة ملايين يتجاوز بكثير ما يحصل عليه برفسور متخصص في العلوم أو جراح كبير، ولا نتحدث عن الكتَّاب والمفكرين، فهؤلاء في معظمهم يصنفون من جماعة «المدينيرات».
والآن، وبعد دخول المملكة مصلحة الإصلاح والتعامل بشفافية مع السلوكيات التي لم تضف شيئاً للوطن، هل يُطال ذلك ما يُقَّدم للاعبين وبالذات لاعبي كرة القدم الذين لم يسهموا إلا برفع ضغط المشجعين وزيادة معدلات الإصابة بمرض السكري؟!