د. محمد عبدالله العوين
أشرت في الجزء الثاني من هذا المقال إلى أن ثمة شائعات قوية من مصادر استخباراتية وإعلامية متعددة تؤكد أن الخميني قد اختار هيكل مستشارا إعلاميا له حين زاره في منفاه الباريسي قبل قيام الثورة 1979م وهو ما كان يطمح إليه هيكل بعد أن وجد نفسه وحيدا فريدا محبطا بعد مرور عشر سنوات من انهيار الحلم القومي وموت الزعيم الذي كان محط أحلامه وسلمه للصعود إلى المجد والشهرة والمكاسب، وبعد أن انهارت كل الوسائل التي كان يأمل أن تبقي العلاقة قائمة مع السادات؛ ولكنها وصلت إلى طريق مسدود أفضى به إلى السجن.
وللباحث المشوق إلى الحقيقة أن يتساءل عن تلك الدوافع التي حملت هيكل إلى طرق أبواب الخميني في منفاه؛ عم يبحث؟ وما هي غاياته من رجل لا تخفى على هيكل أيديولوجيته وأجندته الفارسية الخالصة المعادية للعرب؛ وإن لم تتضح بعد على أرض الواقع؛ لأنها لم تجد سبيلها إلى التطبيق؛ إلا أن الرؤية الفارسية منذ الشاه لم ولن تتغير إن لم تزد شوفينية وتطرفا ضد العرب والمسلمين وحضارتهم.
وفي وسعنا أن نجد الجواب الشافي على تلك التساؤلات في صور العمل الإعلامي الواسع الذي نهض به هيكل خلال ثمانية وثلاثين عاما من ثورة الملالي، ويقف معه في الصف الرخيص المعادي للعرب وتكوينهم التاريخي والحضاري كل الذين تم شراء ذممهم من الكتاب والباحثين كفهمي هويدي الذي لم يتوقف طوال عقود ثلاثة عن تمجيد الفرس وثورة الخميني، ويتجلى اندفاع الذمة الرخيصة عنده في كتابه «إيران من الداخل» الذي صدر 1988م بعد صدور كتاب هيكل «مدافع آية الله» بخمسة أعوام، وكأنهما يتخذان المنهج نفسه من خلال رصد الثورة الخمينية والرد على ما يثار حولها عبر المقالات والحوارات الصحفية والتلفزيونية، ويندرج في سعي الخمينيين إلى تليين العقلية العربية شراء الأحزاب والتكتلات السياسية المختلفة أيضا كمنظمة حماس وجماعة الإخوان المسلمين، وإنشاء أذرع متعددة؛ كما هو الشأن مع «حزب الله» في لبنان، والحركة الحوثية في اليمن.
وقد اعترف هيكل نفسه بالتصاقه الشديد بالقيادات السياسية في إيران؛ بدءا من الخميني، ثم خامنئي، ورفسنجاني، وخاتمي، وروحاني، ولم ير بأسا في التفاخر بزيارة خاتمي له في برقاش، ولا تشكك هذه الصلة الحميمة في ولاء هيكل الذي لا حدود له للفرس ولثورة الخمينية ومفهوماتها في التصدير إلى العالم العربي وما تبشر به فحسب؛ بل تكاد تؤكد ما يشاع عن اختياره مستشارا إعلاميا لها منذ التقى الخميني 1979، وهو ما انتهى به إخلاصه لما أوكل إليه أن تنشر وسائل إعلام متعددة أخبارا عن منحه الجنسية الإيرانية في شهر فبراير 2013م حيث قام بزيارة سرية إلى طهران وأقيم حفل تكريم حضره محمدي كالبيكاني المرشد الخاص للمرشد الأعلى علي خامنئي.
وإذا كان العارفون والمطلعون لا تغيب عنهم هذه المعلومات؛ فإنه إذا لا تنطلي عليهم أساليب الدعاية الرخيصة للفرس على حساب العرب أجمعين، ولا ما يظهره هيكل؛ أو لأقل ما يتقيؤه من عبارات أو يتخرصه من ظنون سيئة عن المملكة العربية السعودية وقيادتها، ولا ما يذهب إليه من أحكام موهومة عن مستقبلها ومدى استقرارها، ولا يمكن الأخذ بما يطلقه من تحليلات غبية عن عاصفة الحزم وأن طائرات أمريكية مشاركة في مهامها، أو دفاعه عن الحوثيين عملاء سادته في طهران.
لقد انسلخ هذا اللاهث خلف المنافع المادية أو الباحث عن فرص الانتقام من محيطه العربي الذي ما فتئ يقمئه ويحط من شأنه ويعلي من تاريخ وحضارة وثقافة وتجربة عدو لم يعد يخفي عداءه للعرب؛ انسلخ من أمته وارتمى في أحضان أمة أخرى تسعى إلى الهيمنة والتوسع واستعباد المنطقة العربية كلها؛ وكأنه لم يسمع تصريحات علي يونسي أن إيران أصبحت إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد، وأنها تنوي تأسيس اتحاد إيراني في المنطقة، أو تصريحات حيدر مصلحي أن إيران تسيطر فعلا على أربع عواصم عربية، أو تصريحات إسماعيل قاناني أن إيران مستمرة بفتح البلدان التي يسيطر عليها «الاستكبار»!
وكأن هيكل أيضا لا يرى ولا يسمع ما ترتكبه عصائبها وحشدها الشعبي المجرم في العراق وسوريا من آثام، ولا ما تلوث به «حزب الله» في لبنان من جرائم بتنسيق مع نظام حافظ وبشار الأسد، وكأنه لم ير ما تتآمر به إيران مع عملائها لتفجير المنطقة كلها من خلال إنشاء وتكوين الخلايا اليقظة والنائمة في البحرين والقطيف واليمن ومصر ودول شمال ووسط أفريقيا وأندونيسيا وباكستان وتركيا وغيرها.
لو كان في هذا الدعي الرخيص ذرة من عروبة حقة؛ كان حريا به أن يحذر من مخاطر المشروع الفارسي الذي يهدد العرب أجمعهم ومنهم بلده مصر، وأن يشحذ الهمم لمقاومته وإفشاله؛ لا أن يبشر به على أن المستقبل للفرس على حساب العرب كما يقول في هذه الجمل التي قد يظن أي قارئ عربي أن قائلها فارسي صميم من قم لا من مصر العزيزة؛ حيث يقول عن الفرس مسوغا أسباب تفوقهم وتمددهم ومشيرا إلى فشل فكرة القومية العربية وفراغ المنطقة ونشوء قوة إقليمية جديدة «لأنهم قادرون على أن يفهموا ما يجري في العالم العربي ومن حولهم، ولقد استطاعت الثورة الإيرانية أن تأخذ ثوابت الثقافة والحضارة الفارسية باستمرار».
لقد أخذت المملكة العربية السعودية زمام المبادرة للدفاع عن حياضها وحياض الأمة العربية، وأعلن قائدها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان التصدي للمشروع الفارسي مستعينا بالله ومتكلا عليه، ومتعاضدا مع إخوانه الشرفاء في المنطقة العربية والعالم الإسلامي، غير آبه بنقيق العملاء ولا بأحقاد التافهين.