د. محمد عبدالله العوين
لن يصاب أحد من القراء الكرام بالدهشة حينما يدرك الأسباب الحقيقية التي دفعت الصحفي المصري محمد حسنين هيكل إلى التناقض مع نفسه والانقلاب على شعاراته والتمرد على تاريخه وأمجاده التي بناها خلال عقدين من الزمان في ظلال الناصرية التي انقرضت وزالت ولم يعد لخطاباتها وشعاراتها الصارخة التي رسم ملامح أدائها الإعلامي هذا الكاتب الهرم الذي عاش على ريعها ثلاثة عقود بعد موت الزعيم وأراد أن يحييها بعد موته في عهد السادات ففشل حتى أُدخل السجن، ثم جرب أن يعيد الخطاب الناصري الميت إلى حرارته في عهد مبارك ففشل أيضاً، مما دعاه إلى أن ينقض على حقبتي السادات ومبارك وعلى الجيش المصري وعلى العرب أجمعين؛ بعدما وجد في «الفرس» الحضن الدافئ الذي احتضنه ومنحه الوعود الكاذبة والفرصة الواسعة؛ لكي يمارس من خلال الاتكاء على الخمينية رؤاه وتنظيراته الخائبة ضد كل بارقة أمل عربية تنهض بالعرب وتقوي جسدهم وتحميهم من السقوط أو الذوبان.
لن تصيبنا الصدمة إذا علمنا أسباب انقلاب العروبي الموهوم على نفسه وتناقضه مع دعاواه القومية الكاذبة ضد العرب؛ بل ضد بلاده مصر التي اتهم جيشها بالسلبية والضعف وعدم المبادرة وأنه لم يقدم في حرب أكتوبر 1973م ما يستحق المجد؛ انطلاقاً من غضبه على حسني مبارك الذي كان وقتها قائداً للطيران المصري.
لن نبحث عن تعليلات أخرى عن دوافع حقد هذا الدعي الخرف الرخيص المسمى «محمد حسنين هيكل» على المملكة العربية السعودية وقادتها واتهامه لبلادنا باتهامات شتى لا يستحق أن نناقشه فيها أو نرد عليها؛ لتهافتها أمام حقائق الواقع وسقوطها أمام شواهد الثبات السعودية في وجه كل الأزمات وذوبانها أمام عبقرية القيادة السياسية التي قفزت بالمملكة من قارة مشتتة ضعيفة في بنيتها الحضارية 1930م إلى دولة كبيرة قوية متماسكة متحضرة في جميع المجالات التعليمية والصناعية والعسكرية وغيرها.
إن الدافع الرئيس لهذا الخرف الرخيص الذي باع انتماءه القومي المزعوم الذي كان يتغنى به وورط به عبد الناصر حين نفخ فيه بالونة الزعامة حتى غاصت قدماه في الوحل اليمني وفي الوحدة المصرية السورية وفي محاولات نقل الثورة «الناصرية» إلى الأقطار العربية كافة؛ الدافع الرئيس فشله في أن يجد «جمال عبد الناصر» جديداً في من بعده يصدق أباطيله الكاذبة ويؤمن بتنظيراته الخائبة وينتشي بلحن خطاباته المجلجلة؛ فتلمس الحضن الدافئ الذي افتقده في عالمه العربي فلم يجده؛ بل وجده في الثورة الفارسية الوليدة التي بدأت مؤشرات الدعم الغربي لها واضحة مما يشير إلى أنها ربما تنتصر وتسقط الشاه الذي بدأ عرشه يهتز بمكايد المخابرات الأمريكية والغربية وما تنشره وتوزعه في أوساط الشعب الإيراني الذي كان يغلي بسبب الظروف المعيشية وتسلط جهاز السافاك عليه.
ذهب هيكل الصحفي اليائس من قوميته التي أدعاها يجرجر ثياب خيبته إلى آية الله الخميني في منفاه الباريسي حيث يقضي فترة التهيئة والتجهيز لإنجاح الثورة الخمينية بإشراف المخابرات الغربية؛ استعداداً لإدخال المنطقة العربية في مرحلة سياسية قادمة مختلفة نعيشها الآن كما خُطط لها في أشكال وصور مختلفة؛ ليس ما سُمِّي بالربيع العربي الزائف إلا واحداً منها.
التقى بالخميني وحاوره صحفياً وتحدث إليه ممجداً الحضارة الفارسية ومتفائلاً بدور إيران الخمينية القادمة، ووجد فيه الخميني الإعلامي العربي الجاهز الذي يمكن من خلاله تطويع عشرات الآلاف من العقول العربية التي قد تمانع وتقف أمام المد الفارسي الذي يطمح له الخميني من خلال شعار «تصدير الثورة الفارسية»، فبدأ الصحفي القومي اليائس المغضب من زعامات العرب التي رفضته أولى خطوات التمجيد والتبشير بنجاح الثورة الخمينية واكتساحها المنطقة العربية والإشادة بالتاريخ الفارسي بإصدار كتابه المعروف الذي كان من أوائل الكتب الممجدة للحقبة الخمينية القادمة «مدافع آية الله - قصة إيران والثورة» والذي صدر مبكراً بعد قيامها بعامين 1982م.
لقد عينه الخميني مستشاراً إعلامياً له 1979م، ثم منحه الخمينيون اللاحقون الجنسية الإيرانية 2013م..