د. محمد عبدالله العوين
قد يستبعد كثيرون أن يصبح دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية؛ بعد تصريحاته المجنونة التي نادى فيها بحظر دخول المسلمين إلى أمريكا حتى ولو كان بعضهم يحمل الجنسية الأمريكية، وبضرورة وضع المسلمين المقيمين في أمريكا تحت الرقابة وحتى الطلاب المبتعثين، وحصر من يرتادون المساجد ومراقبة المصلين؛ بل تمادى إلى أن نادى بجمع المسلمين في معتقلات جماعية على غرار ما فعله النازي هتلر مع اليهود!
أطلق المرشح الجمهوري ترامب تصريحاته المستفزة تلك بعد ذلك الحادث الذي وقع في كالفورنيا وأطلق فيه النار زوجان مسلمان النار على موظفي دار رعاية صحية؛ فقتلا أربعة عشر وأصابا مثلهم، واستغل ترامب ذلك الحادث المأساوي لإيغار صدور الأمريكيين وإيقاد مشاعر السخط والكراهية ضد الإسلام والمسلمين والعرب، جاعلا عداءه للمسلمين مرتكز خطابه الانتخابي، ومصورا الأمر للأمريكيين على أن المسلمين جميعهم يكرهون أمريكا، متسائلا عن مبعث تلك الكراهية، ومطالبا بمنعهم من دخول أمريكا وبمراقبة المقيمين فيها منهم، وكأنه بهذا يريد قطع أواصر الصلة بالعالم الإسلامي كله، انطلاقا مما يصوره لجمهوره الانتخابي ومن خلال خطاباته الحماسية المستفزة بأن المسلمين خطر لا على أمريكا فحسب؛ بل على العالم كله.
ويعلم ترامب علم اليقين أنه يكذب، وأنه في قرارة نفسه لا يقول الحق، وأنه يتاجر بالأحداث العارضة ويسوق لنفسه في الانتخابات بحالة مؤقتة من هيجان التطرف في كثير من أقطار العالم الإسلامي وغير الإسلامي؛ لأسباب سياسية وحضارية واقتصادية، مستغلة تلك الحالة الهائجة أطراف دولية عدة لتحقيق مخططات استعمارية ولتنفيذ أجندات خاصة، ليست بريئة من أوشاب نقمة تاريخية ومخاوف مزمنة من هذا العالم الإسلامي حين يستيقظ من سباته الحضاري الذي طال.
يعلم ترامب أنه يكذب على نفسه وعلى ناخبيه؛ ولكنه يمارس هذا الكذب ويروج لتلك الحماقات الغبية لا غباء منه ولا جهلا ولا قصورا في فهم حالة التطرف التي يعاني منها المسلمون والعرب أنفسهم قبل الغرب؛ بل متعمدا ذلك متقصدا تأجيج قضية رسخها وأكدها ودلل عليها بأحداث متناثرة في عواصم عالمية كواشنطن ولندن وباريس، وساعيا من وراء ذلك إلى كسب الأصوات واستمالة الناخبين والتفوق على منافسيه من حزبه الجمهوري أو من الحزب الديموقراطي؛ لأن هدفه الوصول إلى البيت الأبيض؛ حتى لو كان بتزييف الحقائق وإشعال نار الكراهية بين الديانات والشعوب والحضارات.
لقد تربع ترامب على كثير من أرقى وأعلى وأفخم وأضخم عقارات الولايات المتحدة الأمريكية وفي أكبر وأشهر مدنها؛ وقد حقق نجاحات هائلة في إقامة المنتجعات والمراقص والكازيهونات وتنظيم اختيار ملكات جمال العالم وملكات جمال مراهقات أمريكا، وملاعب الغولف والمصارعة والاكسسورات و محطات التلفزة وغيرها؛ فلم لا يقوده طموحه الجامح ونجاحاته المذهلة إلى أهم وأغلى عقار في أمريكا؛ وهو البيت الأبيض؟!
ويعتقد ترامب أنه قد يحقق هدفه بتصعيد حدة المخاوف على أمريكا من المسلمين لكسب مزيد من المتعاطفين معه في هذه المخاوف المفتعلة، وأن ملايين الدولارات التي يمول بها حملته الانتخابية كافية لحصد النجاح والتعجيل بالوصول إلى أغلى عقارات أمريكا في واشنطن « البيت الأبيض».
ولكن الحقيقة التي بدأت تلوح في أفق ولاية أيوا تشير إلى تراجعه أمام منافسه من الحزب نفسه مرشح اليمين المتطرف في الحزب الجمهوري تيد كروز؛ مما يشير إلى أن خطة ترامب لتهييج الشعب الأمريكي ضد المسلمين لم ولن تكون ناجحة.
وعلى أسوأ الأحوال كيف لنا أن نتخيل علاقة أمريكا بالعالم العربي والإسلامي في حالة تربع هذا الاحمق على البيت الأبيض؟! هل سيخرج المسلمين من أمريكا أو يجمعهم في معتقلات؟ هل سيشن حروب إبادة على المسلمين كما يقترح اليمينيون الأمريكيون؟!
ولو تربع هذا التاجر الأهوج هل سيتيح له الدستور الأمريكي ارتكاب حماقاته الانتخابية؟!
لكن ألا يمكن أن نعتب نحن أيضا على بعض المسلمين المتطرفين بأنهم من أهدوا أعداءهم الفرص لنحرهم بسكاكين المقاصد السياسية؟!