حميد بن عوض العنزي
يبدو أن التدريب التقني في المملكة بات أمام مرحلة انتقالية جديدة بتسلم الدكتور أحمد الفهيد زمام الأمور ونيل الثقة الملكية بتعيينه أخيراً محافظاً للمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني.
ورغم أن مخرجات التدريب التقني كان بإمكانها أن تكون أحد الأذرع المهمة لمواجهة البطالة في المملكة - نتيجة للنسبة المرتفعة للعمالة الأجنبية في المهن التقنية والمهنية - إلا أنها أضحت أحد المشكلات الرئيسة التي عانى منها سوق العمل طوال العقد ونصف العقد الماضي.
وبغض النظر عن التفاصيل التي رافقت المرحلة السابقة للمؤسسة إلا أن عناوينها كانت تتمحور حول ثلاث نقاط رئيسة أزعم أنها كانت سبباً رئيساً لفشل السياسات التي اعتمدت عليها المؤسسة.
النقطة الأولى كان المواجهة العنيفة التي اختارتها المؤسسة مع أعضاء هيئة التدريب في الكليات التقنية والتي تطورت حتى وصلت إلى أروقة المحاكم، وبغض النظر عن أسباب وتداعيات تلك المواجهة فإن المحصلة الحقيقية هي أن المؤسسة لم تستطع دروها ولم تحسن التصرف حيال التعامل مع منسوبيها فكانت الصحف والقنوات التلفزيونية مرتعاً للتراشق بين الطرفين وكان المتضرر الأكبر من ذلك هي مخرجات التدريب.
النقطة الثانية وهي ذات علاقة بسابقتها حيث بات عضو هيئة التدريب عنصراً منسياً في التطوير الذي كانت تعمل عليه المؤسسة، وبدلاً من تحفيزه تم حرمانه من إكمال التعليم لتطوير قدراته فتم منع الابتعاث لمرحلة الدكتوراه لينتج من ذلك عضو هيئة تدريب محبط لا يجد الدافع الحقيقي لممارسة مهامه الوظيفية. وما زاد من معاناة المدرب هو الدعم المالي والتحفيز الذي يجده الموظف ذو المهام الإدارية كمكافآت خارج الدوام والانتدابات حيث ذهب عدد من المدربين يجري ويلهث خلف قرار تكليف بعمل إداري يجعله يقتات بشيء من تلك الحوافز تاركاً العمل الأساسي الذي من أجله أنشئت المؤسسة برمتها.
النقطة الثالثة تخص المعاهد الصناعية والتي هي الأخرى ورغم نجاحها الفائق خلال عقود مضت إلا أن - تطويرها المزعوم - من قبل المؤسسة عام 1424هـ كان له الأثر في تدهور مستواها فتم إلغاء عدد منها وبات عدد آخر عبئاً على المؤسسة لتقوم بتحويله إلى فروع للكليات التقنية ولا أبالغ إذا قلت إنني شخصياً صادفت وفي سابقة غريبة على مستوى التعليم في المملكة أحد المعاهد الصناعية الحكومية يسوق لبرامجه في أحد المولات الشهيرة لعل وعسى أن يظفر المعهد بشاب لم يتبق له أي فرصة للتعليم أو التدريب ليستقطبه ويعاني الأمرين لتخريجه وزجه بسوق عمل هو في غنى عن تأهيله المتواضع. تصور أن تلك المعاهد، التي كان الإقبال عليها منقطع النظير وكان منسوبيها يعانون من إحراج إقربائهم للتسجيل فيها باعتبار الأعداد الكبيرة للمتقدمين، باتت اليوم مؤسسات تدريبية غير مرغوب فيها من قبل الفئة المستهدفة وأضحت تبحث عن متدربين يبررون قيام برامجها فقط.
الحديث يطول عن حقبة ليست بالقصيرة من أداء المؤسسة المتواضع وهو ما يجعل المهمة أكثر صعوبة أمام المحافظ الجديد وإن كان من نصيحة يمكن تقديمها لمعالي الدكتور أحمد الفهيد - وهو الذي أتى من رحم المؤسسة - فهي أن عضو هيئة التدريب هو المفتاح الحقيقي الذي من الممكن أن ينهض بالمؤسسة من جديد وهو الذي يستطيع أن يبث روح الحماس في المعامل والورش التدريبية وهو الركيزة الأساسية لأي عمل تطويري من الممكن أن تقره المؤسسة ضمن رسالتها ورؤيتها وبذلك سيكون ونتيجة لكل العوامل السابقة بمنزلة «الترمومتر» لقياس نجاح المؤسسة من عدمه. المحطات التي يجب أن نتوقف عندها حين تقييم أداء المؤسسة لا تنحصر فيما ذكر أعلاه ولعلنا نتناول في مناسبات قادمة موضوعات تخص تطوير المناهج التدريبية ومشروع كليات التميز وهي أيضاً أحد العلامات الفارقة التي ميزت المرحلة السابقة من أداء المؤسسة.