د. محمد البشر
في نهاية هذا العام الميلادي 2015، لا بد للذاكرة أن نسترجع بعضاً من أهم الأحداث التي حدثت في عام أوشك على الانتهاء بحلوه ومره، وجميله وقبيحه، وهو كسائر الأعوام لا بد فيه من أحداث جسام وغير جسام، لكن جسامة الأحداث تختلف في بعض الأعوام عن بعضها البعض يقول المثل: وفي الماضي لمن بقي اعتبار.
في هذا العام كانت حرباً مفروضة على المملكة في اليمن، وسعت ما وسعها أن تدرأها بالحسنى فما كان لها من مجيب، فكان ما كان، ولا بد مما ليس منه بد، واختارت أهون الأمرين، وأنجع العلاجين، ونحن نعرف أن الحرب غير محببة للنفوس، لكنها إن فرضت فلا بد من الحزم في الولوج إليها، فصدم الشر بالسيف أحزم، وهذا مثل ما يجري، مع شيء من التصرف وهكذا كانت، ونحن نعلم أن بها مشقة وأبو الطيب يقول:
لولا المشقة ساد الناس كلهم
الجود يغفر والاقدام قتّال
لكن أمراً قد حدث فيما يخص هذه الحرب، وقد يكون المرة الأولى فيما يخص دبلوماسية المملكة العربية السعودية، وهو ذلك الإجماع الكبير في مجلس الأمن، فيما يخص القرارات المتعلقة باليمن، لتكون المملكة رائدة في إعادة الشرعية للشعب اليمن الشقيق الذي ابتلي بعدد قليل من أبنائه أرادوا السيطرة من سلطة سابقة متجذرة لم يقنعها أن تعيش بعيداً عن السلطة بسلام بعد أن منحت كل الضمانات اللازمة.
القرار كان استثنائياً ومميزاً في صيغته وطريقته، وحتى أسلوب طرحه والموافقة عليه، وقد أتاح للمملكة تشكيل ائتلاف بقيادتها يقوم بإعادة الأمور في اليمن إلى نصابها، ويمنع مجموعة قليلة من فرض نفسها، وفكرها على سائر أبناء اليمن الكرام، الذين يستحقون أن يعيشوا بسلام مع أنفسهم، ومع جيرانهم.
أمر آخر حدث هذا العام، وهو مغادرة المالكي لرئاسة الوزراء في العراق، وكانت الفرصة متاحة له أن يخلد في التاريخ كمنقذ للعراق، لكنه أبى بدافع مذهبي مقيت، ففرّق العراقيين، وصنع بيئة مناسبة لنشوء داعش وتمددها، فكانت وبالاً على العراق، وغيره من دول العالم.
داعش استطاعت في هذا العام البقاء سواء في سوريا أو العراق، والتوسع تارة والانحسار تارة أخرى، والجحافل تحيط بها من كل صوب، والطائرات تقذف بقنابلها في كل مكان، لكنها بقيت لتثير الرعب والهلع والخوف في نفوس البشرية جمعاء في كل أنحاء العالم، متغطية بفكر ظلامي ليس له طعم أو رائحة، إلاّ أنه مع كل أسف قد جذب بعضاً من غير الأسوياء وأصحاب الأمراض النفسية، والمتبرمين من مشاق الحياة التي لا تصفو لأحد من الناس، وهو أيضا يجلب أناساً ذوي طموح للسلطة والسيطرة بأي مبدأ كان وبأي وسيلة كانت، حتى وإن كانت إساءة لهذا الدين العظيم، دين الإسلام الذي كرّم الله به الإنسان ليعيش في سلام ومحبة ووئام.
شهد هذا العام دخول روسيا في معترك النزاع في سوريا بدعوى محاربة داعش والمنظمات الإرهابية، لكن دون تحديد لمن هو الإرهابي أو المقاوم، وهكذا دخل وافد جديد إلى الساحة السورية المليئة بالتناقضات والعجائب في ظل نظام لا يريد أن يترك السلطة ليختار شعبة من يريد.
في باريس حدث تفجير داعشي مؤلم راح ضحيته أبرياء، ليس لهم فيه ناقة ولا جمل، وفرضت حالة الطوارئ في فرنسا، وهي التي لم تفرض منذ سنين، وأخذت فرنسا على عاتقها المشاركة الفعالة في الحرب ضد داعش.
في هذا العام لاسيما في الجزء الأخير منه انخفضت أسعار النفط إلى حد لم يتوقع أحد من قبل الوصول إليه، وكانت التوقعات تحوم حول السبعين دولاراً، ثم انحدرت التوقعات إلى أن تكون خمسين دولاراً، وبعد أن وصلت الأسعار إلى خمسة وثلاثين دولاراً لم يعد أحد يتوقع حداً أدنى، وما زال الإنتاج من دول العالم مستمراً بعد أن تمنّعت دول من خارج أوبك عن التفاهم معها وخفض الإنتاج بما يكفل الوصول إلى سعر مقبول، مع أن أوبك ما زالت تنتج في حدود الكمية التي تنتجها منذ سنوات دون زيادة، وأمريكا في هذا العام سمحت بتصدير النفط إن كان باستطاعتها المنافسة، مع أن التصدير كان ممنوعاً منذ عقود.
ومن المناسب أن نختم هذا المقال بما حدث في هذا الأسبوع من خطأ طريف وجسيم ومؤلم في آن واحد، حيث حدث خطأ إدارياً عند اختيار ملكة جمال العالم، فتم الإعلان عن فوز سيدة كولمبيا ثم ألبست التاج والدموع تذرف فرحاً، ثم عاد المنظمون ليعتذروا ويأخذوا التاج من رأس سيدة كولمبيا، ليعلنوا سيدة الفلبين، ويضعوا التاج على رأسها.